و أمّا البالغة الرشیدة، فقد ادعى الإجماع فی الجواهر على عدم ولایة الحاکم علیه مطلقاً. (حتى فقد الأب و الجدّ).(1)
و الظاهر أنّه لا خلاف فی ولایة الحاکم على تزویج المجنون. و قال فی الجواهر: بلا خلاف أجده فیه، بل الظاهر کونه مجمعاً علیه.
و قال ابن قدامة فی المغنی: لا نعلم خلافا بین أهل العلم، فی أنّ للسلطان ولایة تزویج المرأة عند عدم اولیائها أو عضلهم (اى تحیرهم أو ترکهم لها). و به یقول مالک و الشافعی و اسحاق و أبوعبید و اصحاب الرأى. و الأصل فیه قول النبی: فالسلطان ولی من لا ولیّ له...(2) هذا، و لکن لما لم یرد فی المسالة نص خاص، لابدّ من الرجوع فیها إلى القواعد; و العمدة ملاحظة مقدار سعة سلطة الحاکم الشرعی فی الاُمور; و هی محتاجة إلى ذکر مقدمة; و هی، أنّ الاُمور و الحوادث الجاریة فی المجتمع الإنسانى على قسمین: قسم منها، له مسئول خاص یجب علیه القیام بها، کحضانة الصبی و نفقته، و حفظ أمواله و سائر مصالحه التی تکون على عاتق الأب أو الجد أو الوصی; فمثل هذه الأمور لا ترجع فیها إلى الحاکم. و کذلک الأوقاف العامة و الخاصة التی لها متولّ معین، فان أمر إصلاحها و صرف ارتفاعها فی مصارف الوقف على عاتق المتولی، و کذلک إصلاح أمر الشوارع الخاصة ببعض البیوت، على عهدة البیوت التی تستفید منها.
و قسم آخر، لیس له مسئول خاص کأمن السبل، و دفع العدو، و إصلاح الطرق العامة و حفظ أموال الغیب و القصر اللذین لا ولی لهم; و قد جرت سیرة جمیع العقلاء حدیثاً و قدیماً على تولى الحکومة لهذه الاُمور; فأنّها أسست لحفظ هذه الاُمور العامة و إصلاحها، حتى لا تبقى مصلحة فی المجتمع بلا متول.
و قد أمضى الشارع المقدس هذا البناء العقلائی، و إن جعل لمتولیها شرائط خاصة. فالحدیث المعروف المرسل النبوی(صلى الله علیه وآله): السلطان ولی من لا ولی له;(3) جار فی هذا المجری، و أمضاء لما عند العقلاء من أهل العرف فی هذا الباب، فاذن لا تبقى مصلحة فی المجتمع لا یکون لها مسئول، و إلاّ یلزم الحرج و المرج و اختلال النظام. و المراد من الاُمور الحسبیّة المعروفة بین الفقهاء هو القسم الثانی أو بعضها.