و الظاهر أنّ اعتبار الرضا و عدم الاکراه هنا و فی جمیع العقود ممّا أجمع المسلمون علیهم عدا شاذ; بل هو من الأرکان فی جمیع العقود العقلائیة بحیث لا یقبل أحد غیره.
و کان ینبغى للماتن (قدس سره)، أن یذکر هذا الشرط فی أول مباحث عقد النکاح مع الشرائط الثلاثة الاُخرى، (العقل و البلوغ و القصد) حتى تتم الشرائط الأربعة العامة.
و أکثر ما ذکروا هذا الشرط فی أبواب الطلاق، لشدة الابتلاء به فیها. قال شیخ الطائفة المحقّة (قدس سره): طلاق المکره و عتقه و سائر العقود التی یکره علیها، لا یقع منه; و به قال الشافعی، و مالک، و الأوزاعی، و قال أبو حنیفة و أصحابه، طلاق المکره و عتاقه واقع و کذلک کل عقد یلحقه فسخ; فأمّا ما لا یلحقه فسخ مثل البیع و الصلح و الإجارة، فانّه إذا أکره علیه ینعقد عقداً موقوفاً، فان اجازها و إلاّ بطلت; ثم استدل علیه فی الخلاف باجماع الفرقة و أخبارهم و أصالة البراءة و حدیث الرفع رواها عن ابن عباس عن النبی(صلى الله علیه وآله).(1)
و قول أبی حنیفة و أصحابه هنا عجیب; فانّه لا فرق بین ما یقبل الفسخ و ما لا یقبل، مضافاً إلى أنّ الطلاق لا یقبل الفسخ. اللّهم إلاّ أن یقال إن مراده هو الرجوع فی العدّة، و أنّه
إذا لم یرجع بمنزلة الإجازة و الرضا بما وقع منه اکراهاً. و هذا لیس ببعید; ففى الحقیقة لیس هو أیضاً من المخالفین فی المسالة. (و کذلک العتق فی نظره). فالمسألة إجماعیة بین علماء الإسلام.
و قد تعرض للشرائط العامة، لا سیما الاکراه (موضوعاً و حکماً) فی کلام مبسوط له فی الجواهر، فراجع.(2)
و کیف کان، العمدة فی دلیل المسألة، بناء العقلاء جمیعاً على عدم الاعتناء بکل عقد نشأ عن اکراه; فان المعاقدة هو المعاهدة، و إنّما یتمّ معناها إذا نشأت عن رضا و اختیار; و قد امضاها الشارع المقدس.
هذا مضافاً إلى حدیث الرفع المعروف بین العامة و الخاصة; و ممّا رفع عن الأمة; ما اکرهوا علیه; أو ما استکرهوا علیه; و قد ذکرنا فی محله أنّ الرفع لا ینحصر برفع المؤاخذة بل یشمل الأحکام الوضعیّة، فعقد المکره مرفوعة، أی لیس بصحیح. و قد استدل الإمام الصادق(علیه السلام) به فی رفع أثر طلاق المکره و عتاقه. و قد ورد روایات کثیرة فی بطلان طلاق المکره، رواه فی الوسائل، فی الباب 37، من أبواب مقدمات الطلاق، من الجلد 15; فراجع. و الظاهر إلغاء الخصوصیّة عن الطلاق، و إجراء حکمه فی النکاح و سائر العقود، و عدم تعرض الأصحاب له فی النکاح غالباً للتسالم علیه.