و یدل على عدم الخیار له بعد البلوغ، أولا، الأصل; و قد عرفت أنّ المراد منه الرجوع إلى العمومات، مثل عموم; أوفوا بالعقود; فانّ معنى وجوب الوفاء بها هو الوقوف عندها و الالتزام بها و عدم العدول عنها، و هو مساو لعدم الخیار.
إن قلت: یمکن المناقشة فی ذلک بأنّ معنى أوفوا بالعقود، هو أوفوا بعقودکم; و من المعلوم أنّ العقد هنا لیس عقد الصبی الذی بلغ، بل عقد الولی فالتمسک بها مشکل.
قلنا: لا شک أنّ عقد الولی هو عقد المولى علیه، فانه یأتی من قبله; مثل عقد الوکیل الذی هو عقد الموکل، بل اولى منه من جهات مختلفة.
و أمّا الاستصحاب ـ أی استصحاب بقاء العقد، و لو بعد الفسخ المساوى لعدم تأثیر الفسخ - فهو من الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة، و قد عرفت الإشکال فیه على المختار.
و ثانیاً، قد استدل له تارة، بمادل على صحة عقد الولی على الصغیر، و عدم صحة طلاقه; مثل صحیحة الحلبى الواردة من الباب 11 من أبواب میراث الازواج.(1)
و اُخرى، بمادل على توراثهما بعد البلوغ، مثل صحیحة محمد بن مسلم.(2) و ما رواه عبید بن زرارة.(3) إلى غیر ذلک ممّا فی هذا المعنى.
والانصاف أنّ شیئاً منها لا یدل على المقصود، و هو عدم الخیار، و غایتها صحة العقد. و من الواضح أنّ صحة العقد لا تنافی جواز الفسخ. و قول بعضهم(قدس الله أسرارهم) أنّ جواز التوارث ناف للالحاق بالفضولی (کما فی کلام المستند) خطاء ظاهر; فانّ الکلام لیس فی الحاقه بالفضولى، بل فی الحاقه بالعقد الجائز، و بینهما فرق ظاهر.
نعم، هناک روایة واحدة، رواها فی المستدرک، فی أبواب عقد النکاح، عن دعائم الإسلام، عن علی(علیه السلام)، أنّه قال: تزویج الأباء جائز على البنین و البنات إذا کانوا صغاراً و لیس لهما خیار إذا کبروا.(4)
و هی صریحة فی نفى الخیار; و لکن الإشکال فی سندها کما هو ظاهر.
اللّهم إلاّ أن یدعى الانجبار بعمل المشهور. فتامل; فان الانجبار إنّما یکون فی الروایات الواردة فی الکتب المشهورة التی کانت بمرئى و مسمع من العلماء الکبار، یمکن استنادهم فی الفتوى الیها، لا مثل دعائم الاسلام.
و قد استدل سیدنا المحقق الخوئی فی المقام بروایتین آخریین وردتا فی أبواب المهور; أحداهما عن عبید بن زرارة;(5) و الثانی عن فضل بن عبدالملک;(6) تدلان على أنّ المهر على الغلام، فان لم یکن له مال، أو ضمن الأب المهر، کان علیه.
و قال (قدس سره)، اطلاقهما دلیل على وجوب المهر، حتى إذا فسخ، و لازمه عدم تأثیر الفسخ.
و فیه أولا، أنّهما لیستا فی مقام البیان من هذه الجهة، بل فی مقام بیان أمر آخر، و هو المهر فقط.
و ثانیاً، الکلام فی نفی الخیار بمقتضى تصریح الروایات، و إلاّ أنّ التمسک بالاطلاق هو مقتضى الأصل کما عرفت.
نعم، هناک روایة اُخرى عن علی بن یقطین، قال: سألت أباالحسن(علیه السلام) أتزوج الجاریة و هی بنت ثلاث سنین، أو یزوج الغلام و هو ابن ثلاث سنین... فإذا بلغت الجاریة فلم ترض فما حالها؟ قال: لا بأس بذلک إذا رضی أبوها أو ولیها.(7) بناء على أنّ سکوتها عن بیان حال الابن، دلیل على ثبوت الخیار لها.
و لکن الانصاف أنّها دلالة ضعیفة، لیس فوق حد الاشعار.
فاذن، العمدة فی عدم الخیار هو العمومات التی مرّت الإشاره إلیها.