و أمّا القول الثالث، أی الجواز فی النظرة الاولى دون التکرار، الذی قد عرفت أنّه أضعف الأقوال، فقد استدل له بروایات; منها:
1- قال الصادق(علیه السلام): أول نظرة لک، و الثانیة علیک و لا لک، و الثالثة فیها الهلاک.(1)
و یحتمل کون الحدیث مرسلاً، أو حدیثاً آخر للسکونی; فراجع الوسائل.
2- ما عن أبی الطفیل، عن علی ابن أبى طالب(علیه السلام) أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) قال: یا علی، لک کنز فی الجنّة و أنت ذو قرنیها; فلا تتبع النظرة النظرة، فانّ لک الاولى و لیست لک الأخیرة(2).
و أبوالطفیل هو عامر بن وائلة، ذکروه من رجال النبی و علیّ، و الحسن و السجاد(علیهم السلام).
مات سنة 110 و لازم ذلک أن یکون له عمر طویل زهاء 130 سنه مثلاً; و لم یوثق صریحاً و لکن ذِکره من خواص علی(علیه السلام) دلیل على حسن حاله، و یقال أنّه لیس له فی الکتب المعروفة إلاّ روایتان.
3- ما رواه عبدالله بن محمد الرازی، عن الرض(علیه السلام) عن آبائه قال: قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): ... لا تتبع النظرة النظرة فلیس لک یا علیّ إلاّ أوّل نظرة.(3)
4- و فی معانى الأخبار، قال: قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): یا علیّ أول نظرة لک، و الثانیة علیک لا لک(4).
و هی أیضاً روایة مرسلة.
5- ما عن طرق العامّة فی السنن، للبیهقى عن ابن بریدة عن أبیه قال: قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): یا علیّ! لا تتبع النظرة النظرة فانّ لک الاولى و لیس لک الآخرة و الله تعالى أعلم(5).
و فی معناها روایات اُخرى.
و هذه الأحادیث و إن کانت ضعافاً غالباً، إلاّ أن تضافرها کاف فی إثبات حجیة سندها.
و لکن یرد علیها:
أولا، أنها من قبیل العام أو المطلق، لعدم التصریح بالوجه و الکفین فیها، فیمکن تخصیصها بما مرّ فی أدلّة جواز النظر إلى الوجه و الکفین، فیجوز النظر إلیها مطلقا.
و ثانیاً، أنّها ناظرة إلى النظر الابتدائى غیر الاختیاری أو الاختیاری بدون قصد التلذذ و الریبة، و النظر الثانوی الناشی عن شهوة أو ریبة.
و یشهد لذلک - مضافاً إلى کونه منصرف الأخبار - غیر واحد من روایات الباب، منها: ما رواه ابن أبی عمیر عن الکاهلی قال: قال أبوعبدالله(علیه السلام): النظرة بعد النظرة تزرع فی القلب، الشهوة; و کفى بها لصاحبها فتنة.(6)
و الکاهلی و هو عبدالله بن یحیى و إن لم یرد نص على وثاقته إلاّ أن النجاشی قال هو کان وجها عند أبی الحسن و وصىّ به على بن یقطین، فقال له اضمن لی الکاهلی و عیاله، أضمن لک الجنة، و لا یبعد أن یکون مجموع هذا توثیقاً له.
و أمّا دلالته على المقصود واضحة، فان النهى عن تکرار النظر إنّما هو لخوف الفتنة و ثوران الشهوة.
و فی الخصال باسناده عن على(علیه السلام) فی حدیث الأربعمأة، قال: لکم أول نظرة إلى المرأة فلا تتبعوها نظرة اُخرى واحذروا الفتنة.(7) و دلالتها أیضاً ظاهرة.
فتحصل من جمیع ذلک، أن الاقوى هو القول الأول.