هل هذه الأمور الثلاثة، (الأثر و العدد و الزمان)، کلها اُصول أو بعضها أصل و بعضها الآخر دلیل و امارة علیه.
و نتیجة هذا البحث، أنّه لو کان جمیعها اُصولا، کفى حصول واحد منها و إن علم بانتفاء الآخرین. و أمّا لو کان أحدها اصلا، (مثلا کان الأثر أصلا، و الآخرین دلیلا علیه)، لا یکفى حصول العدد أو الزمان لو علم بعدم حصول الأثر، اصلا.
و على کل حال، ففى المسألة اقوال:
الأول: ان کل واحد اصل برأسه; ذکر فی المسالک انه ظاهر المصنف، (المحقق)، و الأکثر.(1)
الثانی: أن الأصل هو العدد، و الباقیان إنّما یعتبران عند عدم انضباطه; حکاه فی المسالک عن الشیخ.(2)
الثالث: أنّ الأصل هو الأثر، و الباقیان أمارة علیه; اختاره فی کشف اللثام(3) و تبعه علیه بعض آخر.
و الانصاف أنّ ظاهر اخبار هذه الأبواب هو الأخیر; و هی على طائفتین:
الطائفة الاولى، ما یدل على حصر طریق الرضاع المحرم، فی إنبات اللحم و شدّ العظم، أو إنبات اللحم و الدم; منها:
1- ما رواه حمّاد بن عثمان، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: لا یحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم و الدم.(4)
2- ما رواه عبدالله بن سنان، قال: سمعت أباعبدالله(علیه السلام)، یقول: لا یحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم و شدّ العظم.(5)
3- ما رواه مسعدة بن زیاد العبدی، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: لا یحرم من الرضاع إلاّ ما شدّ العظم و أنبت اللحم; الحدیث.(6)
4- ما رواه أیضاً مسعدة، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: لا یحرم من الرضاع إلاّ ما شدّ العظم و أنبت اللحم; الحدیث.(7)
و لکن یمکن أن یعارض هذه الروایات بما ورد نظیره فی العدد أو الأثر، مثل:
1- ما رواه زیاد بن سوقة، قال: قلت لأبی جعفر(علیه السلام): هل للرضاع حدّ یؤخذ به؟ قال: لا یحرم الرضاع اقل من یوم و لیلة، أو خمس عشرة رضعة متوالیات.(8)
2- ما رواه الصدوق(قدس سره)فی المقنع، قال: و روى لا یحرم من الرضاع إلاّ رضاع خمسة عشر یوماً و لیالیهن لیس بینهن رضاع.(9) بناء على حملها على خمس عشرة رضعة.
و من هنا یعلم أنّ الحصر فیها اضافی، لیس بمعنى نفی الغیر مطلقا.
الطائفة الثانیة، و هی العمدة; ما یجعل الأصل فیه الأثر، ثم یجعل حدّه، أی الامارة علیه، العدد أو الزمان. مثل:
1- على بن رئاب، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: قلت: ما یحرم من الرضاع؟ قال: ما أنبت اللحم و شد العظم. قلت: فیحرم عشر رضعات؟ قال: لا، لأنّه لا تنبت اللحم و لا تشدّ العظم عشر رضعات.(10)
2- محمّد بن على بن الحسین فی (المقنع) قال: لا یحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم و شدّ العظم. قال: و سئل الصادق(علیه السلام) هل لذلک حدّ؟ فقال: لا یحرم من الرضاع إلاّ رضاع یوم و لیلة أو خمس عشرة رضعة متوالیات لا یفصل بینهن.(11)
3- عن عبید بن زرارة قال: قلت لأبی عبدالله(علیه السلام):... (إلى أن قال:) فما الذی یحرم من الرضاع؟ فقال: ما أنبت اللحم و الدّم. فقلت: و ما الذی ینبت اللحم و الدم؟ فقال: کان یقال عشر رضعات. قلت: فهل تحرم عشر رضعات؟ فقال: دع ذا... .(12)
4- عن عبید بن زرارة، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: سألته عن الرضاع ما أدنى ما یحرم منه؟ قال: ما ینبت اللحم و الدّم. ثم قال: أترى واحدة تنبته؟ فقلت: اثنتان أصلحک الله؟ فقال: لا; فلم أزل اعد علیه، حتّى بلغت عشر رضعات.(13)
5- عبدالله بن سنان، عن أبی الحسن(علیه السلام) قال: قلت له: یحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاثة؟ قال: لا، إلاّ ما اشتدّ علیه العظم و نبت اللحم.(14)
أضف إلى ذلک; حکمة الحکم أیضاً تؤید کون الأثر أصلا، و الباقیان طریقاً إلیه. فان إنبات لحم الولد و اشتداد عظمه سبب لاتحاده مع أولاد المرضعة من حیث الجسم الموجب للمحرمیة. و قوله(صلى الله علیه وآله): الرضاع لحمة کلحمة النسب; المذکور فی کتب الفتاوى و التفسیر، و إن لم نجده فی کتب الحدیث، أیضاً مؤید له; فان اللحمة، إمّا بمعنى القرابة، و إمّا بمعنى لحمة الثوب المقابل لسداة، (کما ورد فی کتب اللغة); و کلاهما فرع أثر اللبن فی إنبات اللحم و شدّ العظم; و الله العالم.