قد عرفت أنّ ظاهر الأصحاب القائلین بجواز النظر إلى الوجه و الکفین، استثناء صورتى قصد التلذذ، و خوف الوقوع فی الحرام، و هو المسمى بالریبة عندهم; و الظاهر أنّه ممّا وقع التسالم فیه بینهم. قال فی الجواهر، بعد التصریح بأن المراد من الریبة هو خوف الفتنة - و إن کان یظهر من بعضهم التفاوت بینهما بناء على کون المراد بالریبة، هو ما یخطر بالبال عند النظر من صورة المعصیة، و إن کان لا یخاف الوقوع فیها - مانصه: و الأمر سهل بعد معلومیة الحرمة عند الأصحاب، و المفروغیة منه، و اشعار النصوص بل ظهورها بل صریح بعضها فیه; فلا وجه للمناقشة فی الثانى منهما بعدم ثبوت حرمة ذلک بمجرد احتمال الوقوع فی المحرم، ضرورة کون المستند ما عرفت، لا هذا، کما هو واضح.(1)
و قد رأیت بعض من لا خبرة له بالفقه ممن یدعى فقهاً و لا فقه له، فی عصرنا یترددون فی الأول أیضاً أو یصرحون بالجواز و إن قصد التلذذ، أعاذنا الله من همزات الشیاطین.
و یدل على المقصود، مضافاً إلى أنّه مفروغ عنه عند الأصحاب، کما یظهر من کلماتهم و قد عرفت ذکر القیدین فی کلمات أهل السنة، مما یظهر منه التسالم فیه، حتى إنّهم لم یذکروا له دلیلاً، لوضوحه; و مضافاً إلى ما هو المعلوم من مذاق الشارع الذى یأمر بعدم الجلوس فی محل جلست فیه إمرأة حتى برد (و إن کان هذا الحکم و أمثاله کراهیّاً); عدّة روایات:
1- ما مرّ من روایة على بن سوید، قال قلت لأبی الحسن(علیه السلام): أنّی مبتلى بالنظر إلى المرأة الجمیلة فیعجنی النظر إلیها، فقال: یا علی، لا بأس إذا عرف الله من نیّتک الصدق. الحدیث(2).
و قد عرفت أنّ المراد من هذا التعبیر هو الصدق فی عدم قصد التلذذ، و التعبیر بالجمیلة دلیل على أنّ المراد منها النظر إلى الوجه.
و على بن الحکم الذی یروى عنه، هو على بن الحکم الثقة بقرینة روایة أحمد بن محمد عنه، و کذا على بن سوید السائى الذی کان من أصحاب الرض(علیه السلام) فالظاهر اعتبار سند الروایة و کذا دلالتها.
2- الروایات الکثیرة الناهیة عن تتبع النظرة النظرة;(3) التی قد عرفت أنّها ناظرة إلى النظر بقصد اللذّة، فان ذلک هو المتفاهم منه عرفاً.
3- الروایات الدالة على أنّ لکل عضو زناً، و إن زنا العین النظر، فان القدر المعلوم منها النظر إلى الوجه بقصد اللذّة(4).
4- الحدیث المعروف النبوی فی الجاریة الخثعمیّة - و قد مضى نقله عن المغنی لابن قدامة، و رواها ابورافع عن على(علیه السلام) أنّ النبی(صلى الله علیه وآله) أردف الفضل بن عباس ثم أتى الجمرة، فرماها; فاستقبله جاریة شابة من خثعم، فقالت: یا رسول الله إنّ أبی شیخ کبیر قد افند (اقعد) و قد أدرکته فریضة الله فی الحج، فیجزی أن أحج عنه؟ قال: حِجی عن أبیک. و لوى عنق الفضل، فقال له العباس: یا رسول الله! لویت عنق ابن عمک؟! قال: رأیت شاباً و شابة فلم آمن الشیطان علیهم(5).
5- خصوص روایة الکاهلی، قال: قال أبوعبدالله: النظرة بعد النظرة تزرع فی القلب الشهوة و کفى لصاحبها فتنة(6).
و الأخیرتان ناظرتان إلى خوف الفتنة; و ضعف السند منجبر بعمل الأصحاب.
6- و فی ذیل معتبرة عباد بن صهیب عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: و المجنونة و المغلوبة على عقلها، لا بأس بالنظر إلى شعرها و جسدها، مالم یتعمد ذلک.(7)
و المراد بالتعمد، بعد ظهور صدر الروایة فی کون الکلام فی النظر العمدی، هو التلذذ، کما لا یخفى على الخبیر، و کون الکلام فی الشعر لا یضرّ بالمقصود بعد کون الشعر فی المجنونة بحکم الوجه فی العاقلة.
و المسألة واضحة; و اطناب الکلام فیها لزوال بعض الوساوس من أرباب الوسوسة فی کل شیء!.
المسألة 19: لا یجوز للمرأة، النظر إلى الأجنبی کالعکس، و الأقرب استثناء الوجه و الکفین.