أمّا العقد الدائم فی الباکرة بدون اذن الولی أیضاً یترتب علیها مفاسد کثیرة:
1- أنّه لیس لها خبرة بأمر النکاح، فانّ المفروض أنّها تنکح لأول مرّة و من الواضح أنّ النکاح الدائم هامّ فی حیاة کل أحد; لا یمکن لمن لیس له تجربة، اتخاذ موضع حسن غالباً، مع ما ظهر فی عصرنا من أنواع التدلیس و أنواع الغش و الخیانة و التزویر من ناحیة الدجالین و الفاسقین ممّا لم یکن فی سابق الأیام.
2- أنّها فی معرض هیجان الشهوة و هی تعمى و تصمّ، و لایسمح لها أن ترى المحاسن و العیوب کلها، بخلاف ما لو شرّک الولى فی امرها، فانّه یرى ما لا تراه و یسمع ما لاتسمعه و حیث إنّه یعانی شدیداً عمّا تحلّ بابنتها من المشاکل، فلا یقدم إلاّ على ما فیه خیرها و صلاحها.
3- أنّها إن استقلت بأمر النکاح و لم یستأذن من ولیّه، فتبین لها کون الزوج من غیر اهل الصلاح، فانّها لا تجد من یدافع عنها و یحمیها مع شدة حاجتها إلیه باعتبار ضعف النساء فی مقابل الرجال غالباً. أمّا لو کان باذنه فانه یدافع عنها باشدّ ما یمکن بل یدافع عنها جمیع طائفتها; لا سیما أنّها تحتاج غالباً إلى أبیها فی مصارف الزواج.
4- أضف إلى جمیع ذلک، أنّ الولی صاحب نعمتها، وله حق الاحترام و الأدب، و استقلالها بهذا الأمر ینافی ذلک قطعاً.
و فی روایات الباب أشارات إلى ما ذکر; ففى روایة عبید بن زرارة (5/11 منه)، و روایة علی بن جعفر(علیه السلام) (8/11 منه): أنت و مالک لأ بیک; أو: أنها و أباها للجدّ; إشارة إلى حفظ حریم الأولیاء. و فی قوله(علیه السلام) فی روایة فضل بن عبدالملک: هو انظرلها; (6/3 منه)، اشارة إلى أن الولی یحفظ مصالح بنته أکثر ممّا تحفظه نفسها.
إن قلت ـ لا شک أنّ کثیراً من البنات العالمات الفاضلات، أعلم بمصالحهن من آبائهن إذا کانوا جاهلین امیّین و إشباه ذلک; فلا أقل من القول باستثناء أمثال هذه الموارد.
قلت: قد عرفت غیر مرّة أنّ الأحکام الکلیّة و القوانین الإلهیّة و البشریة، لا یدور مدار الأشخاص والأفراد; بل تشمل الجمیع، و إن کان ملاکها فی الأکثر. و الاستثناء منها بأمثال ذلک سبب لضعفها و فتورها; لدعوى کل أحد أنّه من مصادیق الاستثناء. فلو قلنا إنّ اذن الولی شرط فی عقد الباکرة الرشیدة إلاّ أن تکون أعقل و أبصر من ولیها، أمکن دعوى ذلک من کل باکرة رشیدة، و لا سیّما فی عصرنا هذا الذی یتهم الأولیاء بأنّهم لاصلة لهم بضرورات الزمان و حاجات العصر و أنّ الأولاد أخبر منهم بذلک.
إن قلت: ماالفرق بین ما ذکرتم من ثبوت العناوین الثانویة هنا بسبب ظهور المشاکل العظیمة فی استقلال البکر، و بین ما لا یقول به أصحابنا الأمامیّة و نرفضه من الحکم بالاستحسان؟
قلنا: المنفى هو الاستحسانات الظنیّة; أمّا ما بلغ حد القطع سواء کان من المستقلات العقلیّة کحسن الإحسان و قبح الظلم، أو من الاُمور القطعیة النظریة مثل المفاسد و المشاکل التی أشرنا إلیه فی استقلالهن، مقبول عندنا و عند جمیع العقلاء.