فنقول: لا إشکال ولا کلام فی نشر الحرمة بالرضاع إجمالا، بل هو من المسلمات عند جمیع الفرق الإسلامیّة. و یدل علیه على إجماله الأدلة الثلاثة; (فانّه لا سبیل للعقل فی أمثال هذه المسائل، غیر استحسانات ظنیة).
1- الإجماع من جمیع فقهاء الإسلام، بل هو ضروری من ضروریات الدین یعرفه کل مسلم.
2- کتاب الله العزیز، و قد قال الله تعالى: (حُرِمَتْ عَلَیْکُمْ اُمَّهَاتُکُمْ وَ بَنَاتُکُمْ وَ أَخَوَاتُکُمْ - إلى أن قال - وَ اُمَّهَاتُکُمْ اللاتِى أَرْضَعْنَکُمْ وَ أَخَوَاتُکُمْ مِّنَ الرَّضَاعَةِ...).(1) و المراد منها غیر الوالدة، بقرنیة المقابلة.
نعم، الموجود فی الآیة الشریفة من المحرمات التسع النسبیّة، إثنان منها، و الباقى یعلم من السنّة، و کم له من نظیر فی أبواب الفقه، و لا یبعد دلالة الآیة على حکم البنت و الجدّة.
3- الروایات الکثیرة المتضافرة، بل المتواترة التی وردت من طرق العامة و الخاصة، و هی على قسمین:قسم منها عام شامل لجمیع المحرمات النسبیّة، و یستفاد منها قاعدة کلیة لهذه الأبواب; و قسم منها خاص وارد فی بیان بعض الشروط بما یعلم منه أنّ أصل الحرمة على إجمالها قطعی.
و من الأول، الحدیث المعروف النبوی(صلى الله علیه وآله): یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب.
و فی بیان آخر، یحرم من الرضاع من یحرم من القرابة.
و فی بیان ثالث: الرضاع لحمة کلحمة النسب.
أما الأول، فقد ورد فی روایات کثیرة من طرقنا و من طرقهم، فقد رواه فی الوسائل، فی الباب الاول من أبواب الرضاع، عن طرق سبعة: عن برید، و أبی الصباح الکنانى، و داود بن سرحان، و عبید بن زرارة، و عبد الله بن سنان، و الحلبی، و عثمان بن عیسى; عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) تارة، و عن الصادق(علیه السلام) اُخری، و عن أبی الحسن(علیه السلام)ثالثة.(2)
و أمّا الثانی، فقد رواه عبدالله بن سنان، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی نفس الباب بطریقین.(3)
و أمّا الثالث، فقد قال النراقی، فی المستند: ورد فی السنة المقبولة عنه(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: الرضاع لحمة کلحمه النسب.(4)
و اللُحمه أو اللَحمة من الثوب، ما یقابل السُدی; و الأول الخیوط العرضیة، و الثانى الخیوط الطولیة، و فی الفارسیّة یعبر عن السدی و اللحمة بـ تار، و پود; و من الواضح أن غیر الأقارب من النسب، لا علاقة بینهم کالسدی، و الرضاع یوجب العلقة کاللحمة فی الثیاب و هو تشبیه حسن جداً.
هذه الروایات منقولة فی کتب الفقه و الفتاوى، و بعض کتب التفسیر، مثل المهذب البارع، و الجواهر، و جامع المقاصد، و شرح اللمعة، و المسالک، و الحدائق، و الریاض، و مستند النراقی، و تفسیر المیزان، و تفسیر الصافی و غیر ذلک; و لکن جمیع المحققین لهذه الکتب اعترفوا بعدم وجدانهم أثراً من هذه الروایة فی منابع الحدیث، و الله العالم.
و روى فی المستدرک، عن دعائم الإسلام مرسلا; روینا عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه، أنّ رسول الله قال: یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب.(5)
و عن عوالى اللئالى، عن سعید بن المسیّب، عن على بن أبی طالب، قال: قلت: یا رسول الله! هل لک فی بنت عمک حمزة، فانّها أجمل فتاة فی قریش. فقال: أمّا علمت أن حمزة أخی من الرضاعة، و أنّ الله حرّم من الرضاعة ما حرّم من النسب.(6)
و قد ورد من طرق العامة روایات متعددة:
1- ما رواه عایشة عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی ذیل حدیث طویل، قال(صلى الله علیه وآله): أنّ الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة.(7)
2- و روى هذه الروایه باسناد أخر عن عایشة أیضاً.
3- ما رواه ابن عباس عنه(صلى الله علیه وآله)، بعد ذکر ابنة حمزة عنده، قال: أنّها لا تحل لی، أنّها ابنة أخی من الرضاعة، و أن الله حرّم من الرضاعة ما حرم من النسب.(8)
إلى غیر ذلک ممّا فی هذا المعنى، و یستفاد من الجمیع أنّ الحدیث من الأحادیث المتضافرة بل المتواترة.
و أمّا الأحادیث من القسم الخاص، فهی أیضاً کثیرة غایة الکثرة، تأتی فی الأبحاث الآتیة إن شاءالله تعالى.