قال المحقق النراقى فی المستند: أنّه یجوز لاخوة المرتضع نسباً و أخواته، نکاح أخواته و أخوته رضاعاً، أی أولاد الفحل نسباً و رضاعاً و أولاد المرضعة نسباً، وفاقاً للحلّی و القاضی و المحقق و الفاضل فی أکثر کتبه و الصیمری و فخر المحققین و الشهیدین، بل الأکثر کما صرّح به جماعة; - إلى أن قال - خلافاً للمحکی عن الخلاف و النهایة و المبسوط و ابن حمزة، و قواه فی الکفایة، فقالوا بالتحریم.(1)
و قال فی المبسوط: و روى أصحابنا أن جمیع أولاد هذه المرضعة و جمیع أولاد الفحل یحرمون على هذا المرتضع و على أبیه و جمیع اخوته و اخواته، و أنّهم صاروا بمنزلة الاخوة و الأخوات، و خالف جمیعهم فی ذلک.(2)
و الحاصل أنّ ظاهر الأکثر - کما فی الجواهر - الجواز و ذهب جماعة إلى التحریم و من العجب أن المحکیّ عن خلاف الشیخ، الإجماع على الحرمة(3) مع ظهور کلامه فی المبسوط فی الجواز و ذهاب الکل إلیه.
و غایه ما یستدل به على مذهب المشهور - أی الجواز - أمران:
1- أصالة الحلیة بعد عدم شمول عمومات الحرمة للمقام.
2- ما رواه اسحاق بن عمار، فی الموثق، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی رجل تزوج اُخت أخیه من الرضاعة. قال: ما أحبّ أن أتزوج اُخت أخی من الرضاعة.(4) بناءً على ظهورها فی الکراهة، و بناءً على کون القید (من الرضاعة) قیداً للاُخت لا للأخ، فالمعنى أنّه یکره للرجل أن یتزوج الاُخت الرضاعی لأخیه النسبی.
إن قلت: یحتمل رجوع القید إلى الأخ بل هو القریب منه، فحینئذ یدل على کراهة تزویج الاُخت النسبی للأخیه الرضاعی.
قلنا: نعم، و لکن هذا معلوم الحرمة، لانّ الاُخت النسبى للأخ الرضاعی حرام قطعاً، فلا یجوز للأخ الرضاعی تزویج أخوات أخیه، فاللازم حمل الروایة على ما ذکر من رجوع القید إلى الاُخت.
و الانصاف أنّ هذا الاستدلال لا یخلو عن ضعف، لإمکان إرادة الحرمة من قوله: لا أحبّ; و قد عرفت أنّ استعماله فیها کثیر.
و أمّا الأصل، فسیأتی الکلام فیه.
و الدلیل على القول الثانی - أی الحرمة - اُمور:
1- ظاهر التعلیل فی روایتی ابن مهزیار، و أیوب بن نوح، فان قوله: کنّ فی موضع بناتک; فی روایة ابن مهزیار، و قوله: لأنّ ولدها صارت بمنزلة ولدک; فی روایة أیوب بن نوح، بناءً على صحة الروایتین، معناه أنّ أولاد الفحل و المرضعة بمنزلة أولادک فیکون الجمیع اخوة و أخوات فلا یجوز نکاح بعضهم لبعض.
و الحاصل أنّ أولاد الفحل أو المرضعة إذا کانوا بمنزلة أولاد أب المرتضع، لم ینفک ذلک عن کونهم اخوة و أخوات، فلا یجوز نکاح بعضهم بعضاً.
و أجاب عنه فی الجواهر و غیره، بالجمود على عبارة الحدیث، فانّ العلة المنصوصة فیهما هو کونها بمنزلة الولد، و أما أنّهم إذا صاروا بحکم أولاده، استلزم ذلک صیرورة ولده اخوة لهم، فلا یجوز نکاحهم; فهو قسم من مستنبط العلة و لیست بحجة.
و یرد علیه، أنّ مستنبط العلة لا تکون حجة إذا کانت ظنیة، و لکن إذا کان قطعیاً بحسب متفاهم العرف، فهى حجة; و المقام من هذا القبیل.
و إن شئت قلت: کونها بمنزلة ولده، مستلزم بحسب فهم العرف لکونهم اخوة و أخوات، والفصل بینهما یعدّ فی العرف من الغرائب، فإذا حرمت بنت صاحب اللبن على أب المرتضع لکونها بمنزلة ولده، حرمت على أولاده أیضاً، لمثل هذا الدلیل.
2- یجوز الاستدلال للحرمة بعموم: یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب; و من المعلوم أن اُخت الأخ من النسب محرمة، فکذا من الرضاع، فلا یجوز نکاحها.
و اُجیب عنه بمنع حرمة اُخت الأخ من النسب دائما; کما إذا کان لزید أخ من أبیه، و کان للأخ اُخت من اُمّه، فانّها غیر محرمة على زید، لعدم اشتراکهما فی الأب و لا فی الاُم; (وهذا ما یقال فی الفارسیّة: از پدر جدا و از مادر سوا).
فاشتراک المرتضع من أخیه، و إن کان فی الأب و الاُمّ النسبیین، و لکن اشتراکه مع الاُخت الرضاعی فی أب و اُمّ آخر، فلا تحرم الاُخت على أخ المرتضع.
3- و استدل له أیضاً بقاعدة عموم المنزلة و الاخذ باللوازم العقلیة فی أبواب الرضاع، و لکن سیأتی فساد هذا القول.
فالعمدة فی المقام، هو الدلیل الأول، أی الأخذ بالعلة بمقتضى فهم العرف، و الانصاف أنّ هذا الدلیل قوی.