و العمدة فی المسأله آیة الغض خطاباً للنساء، (قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لاَ یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا...).(1)
و هی عامّة، و لکن یستثنى منها الوجه و الکفان بالأولویة القطعیة و تسالم الأصحاب.
و من الروایات الدالة على المقصود:
1- ما عن أحمد بن أبی عبدالله قال: استأذن ابن اُم مکتوم على النبی(صلى الله علیه وآله) و عنده عائشة و حفصة، فقال لهما: قوما فادخلا البیت. فقالتا: إنّه أعمى! فقال: إن لم یرکما فانکما تریانه(2).
2- و قد روى مثله من طرق العامة بالنسبة إلى اُم سلمة و حفصة، و فی آخره: أفعمیا و إن أنتما لا تبصرانه؟(3) رواه عن أبی داود و غیره.
3- و فی روایة اُخرى بالنسبة إلى اُم سلمة و میمونة.(4) و هذه الروایات الثلاثة متقاربة مضموناً.
4- و فی روایة فی المستدرک عن الجعفریات عن الباقر(علیه السلام) فی حق فاطمة(علیها السلام)عکس ذلک، و أنها حجبت نفسها عن الأعمى، فسئلها النبی(صلى الله علیه وآله); فقالت: یا رسول الله(صلى الله علیه وآله)إن لم یکن یرانی فانا اراه... إلى أن قال فقال النبی(صلى الله علیه وآله): أشهد أنک بضعة منّی.(5)
یبقى هنا سؤال فی فقه هذه الروایات، و أنّه کیف منعهن من النظر، و الحال إن النساء کن یأتین المساجد و یشترین ألا شیاء عن الأسواق و غیرها، و کن یرینهم فکیف اَمَرهن بالاحتجاب عن الضریر، و قد جرت سیرة المسلمین قدیماً و حدیثاً على خلافه.
و یمکن الجواب عنه، بأنّ ابن اُم مکتوم أو مثله لم یکن مستوراً من جمیع الجهات ما عدا الوجه و الکفین، و کثیر من الأعراب فی الصدر الأول، لم یکن لهم قمیص ظاهراً، و کان لهم ازار فقط، أو شیء شبیه ثوبی الاحرام، و کان یرى شىء کثیر من صدرهم أو ظهرهم - کما یستفاد من قصة سوادة بن قیس أیضاً - فلذا امرهن بالاحتجاب عنه، و إلاّ کان النظر إلى الوجه و الکفین أمراً متعارفاً بینهم.
5- و یدل علیه أیضاً، ما رواه الصدوق بسنده المتقدم فی عیادة المریض، قال: قال النبی(صلى الله علیه وآله): إشتد غضب الله على إمرأة ذات بعل ملأت عینها من غیر زوجها أو غیر ذی محرم منها فانّها إن فعلت أحبط الله عزّوجلّ کلّ عمل عملته...(6).
و الظاهر انّ ما فی سنده، إشارة إلى ما نقله عنه فی الوسائل 2/635، الحدیث 9، الباب 10 من أبواب الاحتضار، و سنده یشتمل على أکثر من عشرة وسائط مشتملة على عدة مجاهیل; و أمّا دلالتها ظاهرة، بناء على ان المراد من قوله ملأت، هو النظر الیه متعمداً، لا أنّ المراد کونه عن شهوة; و إلاّ لم یجز حتى فی المحارم.
هذا ما هو المستفاد من کلمات الأصحاب، و ما یدل علیه من الأدلة; و إن کان ذکر المسألة فی کلماتهم غالباً على نحو الاختصار حتى فی الجواهر و المستمسک. و لکن الانصاف أنّ التی جرت علیه السیرة قدیماً و حدیثاً حتى فی زمن النبی(صلى الله علیه وآله) و ما بعده من الأئمة المعصومین(علیهم السلام)، هو عدم ستر الوجه و الکفین، و شعر الرأس; و لذا ورد فی وصف شعر النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه کان إلى اذنیه، أو ما ورد فی حدیث ورود الرض(علیه السلام)نیشابور فی وصف ذُو ابَته و غیر ذلک، بل عدم ستر العنق و شىء من الصدر الذی یظهر من القمیص، لا سیما إذا کان واسع الصدر، و عدم ستر القدمین و شیء من الساق عندهم بعد الأمر بتقصیر الثیاب، بل الظاهر عدم ستر الذراعین، لأنّ الرجال لا یزالون یتوضأون عن الأنهار و غیرها فی اعین الناس و فی الملاء العام. و عدم ستر هذه الأعضاء دلیل على جواز النظر.
إن قلت: جواز الاظهار و عدم وجوب الستر لا یدل على جواز النظر، لامکان الأمر بغضّ النظر مع ترخیص ترک الستر، و لا منافاة بینهما، و لا یکون هناک إعانة على الإثم.
قلنا: عدم المنافات عقلاً صحیح، و لکن الانصاف، هو التلازم بین جواز ترک الستر و جواز النظر، و لذا لا یزال الفقهاء یستدلون بقوله تعالى: «إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا»، على جواز النظر إلى وجه المرأة و کفها; الحاصل ان جواز احدهما ملازم عرفا لجواز الآخر، و لا دخل للمسألة بمسألة الإعانة على إلا ثم، فتلخص من جمیع ذلک أنّ مسألة الحجاب و النظر، هنا أوسع. و الله العالم.