قد صرّح غیر واحد من أکابر الأصحاب بانّ النکاح و إن کان فی نفسه مستحباً و لکن ینقسم بانقسام الأحکام الخمسة، باعتبار عروض بعض العوارض.
قال فی الحدائق: اعلم، إنّهم قالوا إنّ النکاح إنّما یوصف بالاستحباب بالنظر إلیه فی حدّ ذاته، یعنى مع قطع النظر عن اللواحق المتعلّقة به; و إلاّ فإنّه ینقسم إلى الأقسام الخمسة:
فقد یکون واجباً کما إذا خیف الوقوع فی الزناء مع عدمه، و لو أمکن التسری کان واجباً مخیّراً.
و قد یکون حراماً کما إذا أفضى الإتیان به إلى ترک واجب کالحج و الزکاة، و إذا استلزم الزیادة على الأربع.
و یکره عند عدم توقان النفس إلیه مع عدم الطول، على قول; و الزیادة على واحدة عند الشیخ(قدس سره).
و قد یستحب، کنکاح القریبة على قول، للجمع بین صلة الرحم و فضیلة النکاح; و إختاره الشهید فی قواعده. و قیل: البعیدة، لقوله(صلى الله علیه وآله): لاتنکحوا القرابة القریبة، فإنّ الولد یخلق ضاویاً أی نحیفاً. و هو اختیار العلاّمة فی التذکرة و علل بنقصان الشهوة مع القرابة.
أقول، الظاهر أنّ الخبر المذکور عامّی حیث لم ینقل فی کتب أخبارنا و قد ذکره ابن الأثیر فی نهایته و الظاهر أنّ القول المذکور للعامّة. تبعهم فیه العلاّمة فی التذکرة و استدل علیه بما استدلوا به.
و أمّا المباح، فهو ما عدا ذلک. و ابن حمزة فرض الاباحة أیضاً لمن یشتهى النکاح و لا یقدر علیه أو بالعکس و جعله مستحباً لمن جمع الوجهین و مکروهاً لمن فقدهما. انتهى.(1)
و إنّما نقلنا کلامه بطوله لما فیه من فوائد کثیرة، و یظهر منه انّ المراد بالاستحباب هنا استحبابه بحسب العوارض مضافاً إلى استحبابه الذاتی; فلذا مثل له بنکاح القریبة، للجمع بین فضل النکاح وصلة الرحم; أو البعیدة، لخروج الولد ضاویاً فی القریبة.
و لکن الأخیر، مؤید بالاعتبار لما ثبت من الاخطار المهمّة فی نکاح القریبة; و لا ینافیه نکاح المعصومین(علیهم السلام)لأنّ له استثنائات کسایر الأحکام الکلیة لعوارض خاصة; هذا مضافاً إلى أنّ المعروف بین الأطباء، أنّ نکاح القریبة لایوجب مرضاً; نعم، لو کان فیهما الأمراض الخفیة تظهر و تشتد لما فی الزوجین القریبین من المشابهة فی المرض الخفی.
و الروایة و إن کانت ضعیفة بحسب المبانی الموجودة فی الکتب الرجالیة عندنا، و لکن رواها أو ما یشبه منها غیر واحد فی کتبهم; ففى المجازات النبویة للسیّد الرضى، قال(صلى الله علیه وآله): اغتربوا لا تضووا.(2)
قال فی النهایة:(3) اغتربوا لا تضووا أی، تزوجوا الغرائب دون القرائب فإنّ ولد الغریبة أنجب و اقوى من ولد القریبة... و منه الحدیث: لا تنکحوا القرابة القریبة فإنّ الولد یخلق ضاویاً.
و قد أسنده فی المسالک إلیه(صلى الله علیه وآله)، و قال: لقوله(صلى الله علیه وآله) لا تنکحوا... الحدیث.(4) و على کل حال، الاجتناب اولى.
و ما ذکره من مثال المکروه، غیر ثابت; فإنّ فقدان المال لا یکون سبباً للکراهة لا سیما مع ما عرفت من الایة الشریفة و الروایات. و الاولى أن یمثل له بنکاح المتعة إذا اوجب التهمة أو سقوط الإنسان عن أعین الناس; کما لعله یظهر من بعض روایاتها.