یبقى الکلام فی وجوب کون الصیغة اللفظیة بالعربیة، أو یکفى بکل لسان، أو فیه تفصیل بین القدرة على العربیة (و لو بالتوکیل) و العجز عنها، فیصح فی الثانی فقط.
قال الشیخ فی المبسوط: فانّ عقداً بالفارسیة، فانّ کان مع القدرة على العربیة، فلا ینعقد بلا خلاف. و إن کان مع العجز، فعلى وجهین: أحدهما یصح، و هو الأقوى. و الثانى لایصح. فمن قال لایصح، قال یوکل من یقبلها أو یتعلمها، و من قال یصح لم یلزمه التعلم(1).
و ادعى المحقق النراقی، (قدس سره) الإجماع فی المستند، بل حکاه عن التذکرة أیض(2).
و لکن شیخنا الأنصاری ادعى الشهرة فیه; و أفتى کثیر من المتأخرین بجواز غیر العربیة مطلقاً، أو عند عدم التمکن من العربیة.
و غایه ما یستدل به على اعتبار العربیة، اُمور:
1- أنّه مقتضى أصالة الفساد فی العقود و الایقاعات (بخلاف العبادات). فانّ الأصل، (أی الاستصحاب) یقتضى عدم حصول الزوجیة و عدم ترتب آثارها کما یقتضى عدم النقل و الانتقال فی المعاملات.
و فیه، أنّه یتم إذا لم یکن هناک عموم أو اطلاق بالنسبة إلى صحة النکاح; و هنا موجود.
2- اطلاقات النکاح تنصرف إلى ما کان متعارفاً فی عصر الشارع المقدس، و لاشک أنّ المتعارف فی ذلک الزمان هو إجراء الصیغة باللغة العربیة.
و فیه، أنّ هذه الانصراف بدوى، یزول بالتأمل; لشمول الاطلاقات لجمیع اللغات. فان قوله(علیه السلام) فی تفسیر قوله تعالى: (و أخذن منکم میثاقاً غلیظ): المیثاق; هو الکلمة التی عقد بها عقد النکاح.(3) عام یشمل جمیع أصناف اللغات، و کذلک سائر الاطلاقات.
3- غیر العربیة بحکم الکنایة، و لایجوز العقد بالکنایات.
و فیه، أنّه ممنوع صغرى و کبرى، أمّا أنّه بحکم الکنایة، فهو من العجائب، لأنّ عقد النکاح موجود فی جمیع الأقوام و الملل، و لهم فی السنتهم الفاظ صریحة و غیرصریحة، و لا معنى لکون الألفاظ الصریحة لعقد النکاح منحصرة فی العربیة، و کما أن إنشاء العقد بالکتابة جائز إذا کان ظاهراً فی أداء المعنى.
4- و اعجب منه، ما حکاه شیخنا الأعظم الأنصاری عن المحقق الثانی، فی جامع المقاصد، فی باب الرهن، من منع صدق العقد على غیر العربی مع القدرة على العربی.(4)
فان العقود بجمیع أقسامها موجودة عند جمیع الاُمم، و لها ألفاظ خاصة، وضعت لها بمقتضى حاجتهم إلیها، و هذا اوضح من أن یحتاج إلى شاهد.
5- مقتضى الاحتیاط فی الفروج، و کون عقد النکاح من قبیل الاُمور التوقیفیة، هذا; و قد یقال فیها شوب العبادة، و المتیقن منه هو ما یکون بالعربیة.
و الظاهر، أنّ هذا أحسن الوجوه; و لکن، القدر المتیقن منه ما إذا کان قادراً على العربیة. و أمّا إذا عجز عنها، فمقتضى السیرة المستمرة کفایة کل لغة، لأنّ الإسلام نشرت فی أقطار الأرض فی أعصار الائمة (علیهم السلام)، و دخل فیه جماعات کثیرة من غیر العرب، و کان عندهم نکاح و طلاق، و لم ینقل فی ما وصل إلینا من التاریخ و الحدیث، ما یدل على أمر المعصومین(علیهم السلام) باستخدام من هو عارف بلغة العرب، لیکون وکیلاً لإجراء صیغ العقود و الطلاق.
1. الشیخ الطوسی، فی المبسوط 4/194.
2. المحقق النراقی، فی مستند الشیعة 16/91.
3. الوسائل 14/195، الحدیث 4، الباب 1 من أبواب عقد النکاح.
4. الشیخ الانصاری، فی کتاب النکاح /79.
