و غایة ما استدل به على الحرمة، اُمور:
1- الأمر بالغضّ الدال على الوجوب، و لا فرق بین الاتصال و الانفصال بمقتضى الاطلاق.
2- النواهى الواردة فی الأخبار الدالة على حرمة النظر، و هی أیضاً مطلقة.
3- استصحاب الحرمة، فإنّ النظر کان محرماً عند الإتّصال، و یشک فی زوالها بعد الانفصال، و الأصل بقاؤه.
4- ما ورد من النهی عن وصل شعر المرأة، بشعر إمرأة غیرها.
و الجمیع قابل للایراد;
أمّا وجوب الغض، فانّ المراد منه ترک نظر المرأة إلى الرجل و بالعکس، و عضو المبان لا یصدق علیه عنوان الرجل و المرأة; و القول بأنّ العرف لا یرى فرقاً بین المتصل و المنفصل، عجیب، للفرق الواضح بینهما فی ملاک الحرمة.
و أمّا الروایات الناهیة عن النظر، فانها ناظرة إلى صورة الإتّصال; و الحکم بشموله لحالة الانفصال تحکم، و قول بلا دلیل.
و أمّا الاستصحاب، فیرد علیه أوّلا، أنّه فی الشبهات الحکمیّة، و قد ذکرنا فی محلّه عدم حجّتیه فیها. سلّمنا، لکن الموضوع قد تغیر، فان موضوع الحرام کان أجزاء بدن المرأة، و هنا لا یصدق هذا العنوان. و القول بأنّ هذا المقدار لا تضر، لأنّه من قبیل تبدّل الحالات، و إلاّ لم یجز الحکم بنجاسة أجزاء الملک أو أجزاء بدن الکلب و شبهه بعد انفصالها; ممنوع، بأنّ هذا قطعاً من المقومات، فإنّ الذی أوجب الحرمة هو النظر إلى بدن المرأة، و هذا فی الواقع کالجماد، و إلاّ وجب الحکم بحرمة النظر إلى سنّها و ظفرها بعد انفصالها من بدنها، و الالتزام به بعید جدّاً. و قیاسه على اجزاء نجس العین، قیاس مع الفارق، للعلم القطعی بأنّ أجزاء نجس العین نجس، لا نشک فیه حتى یحتاج إلى الاستصحاب.
إن قلت: هذا إذا کان المرجع فی بقاء الموضوع; لسان الدلیل فإنّ الحکم فیه على عنوان المرأة; أمّا إذا کان المرجع فیه العرف فانّه باق على التحقیق.
قلنا: العرف هنا شاهد بعدم بقاء الموضوع و عدم وجود ملاک الحرمة فیه أو الشک فیه، و الإتّصال هنا من المقومات للموضوع، و إن شئت قلت الموضوع العرفی هنا، عین الموضوع المأخوذ من لسان الدلیل.
ولو فرض الشک فی بقاء الموضوع، لم یجر الاستصحاب أیضاً. لأنّ إحراز الموضوع لازم، و بدونه لا یجری الاستصحاب.
و أمّا الروایات الناهیة عن وصل شعر المرأة بامرأة أجنبیّة، فهی على خلاف المطلوب أدلّ، و لذا ذکرها بعضهم دلیلاً على الجواز.
منها، ما رواه ثابت بن سعید، قال: سئل أبوعبدالله(علیه السلام) عن النساء، تجعل فی رؤوسهن القرامل.(1) قال: یصلح، الصوف و ما کان من شعر إمرأة لنفسها، و کره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غیرها. الحدیث(2).
و ثابت بن سعید مجهول.
و ما رواه سلیمان بن خالد، قال: قلت له: المرأة تجعل فی رأسها القرامل. قال: یصلح له الصوف و ما کان من شعر المرأة نفسها، و کره أن یوصل شعر المرأة من شعر بشعر غیرها. الحدیث.(3)
و الظاهر انّ سلیمان بن خالد، هو الهلالی الثقة، و لکن الحدیث مرسل، فشیء من الروایتین لا یمکن الاعتماد علیه بحسب السند; و هناک روایات اُخرى رواها فی الوسائل 12/93، الباب 19 من أبواب ما یکتسب به، بعضها تدل على النهی و بعضها على الکراهة و تمام الکلام فی محله.
و إمّا الدلالة فظاهرها الکراهة، لقوله: و کره للمرأة...; اللّهم إلاّ أن یقال إن الکراهة المصطلحة، ممّا نشأت بین الفقهاء، و لم تکن فی اللغة، و یشهد له، قوله تعالى بعد ذکر عدة من الکبائر: (کُلُّ ذَلِکَ کَانَ سَیِّئُهُ عِنْدَ رَبِّکَ مَکْرُوهاً)(4). فلا أقل من أن یکون مفهومها أعم من الحرمة و الکراهة المصطلحة، فلا یکون دلیلاً على الجواز.
و على کل حال، لو قلنا بالحرمة، یمکن أن یکون ذلک بسبب نظر زوجها إلیه أو لمسه،
و یمکن أن یکون غیر ذلک، فلا یکون دلیلاً على حرمة النظر. و أمّا لو قلنا بالکراهة - کما هو الأقوی - فهو دلیل على جواز النظر، لملازمته عرفاً للنظر و اللمس من الأجنبی، کما لا یخفی.
فتلخص من جمیع ما ذکرنا، أنّ الحق هو جواز النظر إلى العضو المبان، و إن کان الأحوط استحباباً هو الاجتناب. و الله العالم.
المسألة 22: یستثنى من حرمة النظر و اللمس فی الأجنبی و الأجنبیّة، مقام المعالجة إذا لم یمکن بالمماثل، کمعرفة النبض إذا لم تکن بآلة نحو الدرجة و غیرها، و الفصد و الحجامة و جبر الکسر و نحو ذلک. و مقام الضرورة، کما إذا توقف استنقاذه من الغرق أو الحرق على النظر و اللمس.
و إذا اقتضت الضرورة، أو توقف العلاج على النظر دون اللمس، أو العکس، اقتصر على ما إضطر إلیه، و فیما یضطرّ الیه، اقتصر على مقدار الضرورة، فلا یجوز الآخر و لا التعدى.