أقول: هذه المسألة معرکة للأرآء و اختلفت فیها کلماتهم، و المعروف أنّ فیها أقوال ثلاثة کما ذکره غیر واحد.
قال الشهید الثانی فی المسالک: تحریم نظر الرجل إلى الأجنبیّة فیما عدا الوجه و الکفین موضع وفاق بین المسلمین، و لا فرق فیه بین التلذذ و عدمه و لا بین خوف الفتنة و عدمه.
و أمّا الوجه و الکفان، فان کان فی نظرهما أحد الأمرین، حُرم أیضاً إجماعاً; و إلاّ ففى الجواز اقوال:
أحدها: الجواز مطلقاً على کراهیة، اختاره الشیخ(ره)...
و الثانی: التحریم مطلقا، اختاره العلاّمة فی التّذکرة...
و الثالث: جواز النظر إلى الوجه و الکفین على کراهیّة مرّة لا أزید، و هو الاذی اختاره المصنف و العلاّمة فی أکثر کتبه...(1)
و صرّح صاحب الجواهر (قدس الله نفسه الشریفة) بأنّ النظر إلى غیر الوجه و الکفین غیر جائز فی حال الاختیار بالإجماع، بل الضرورة من المذهب، بل ضرورة الدین، ثم نقل جواز النظر إلى الوجه و الکفین من دون تلذذ و ریبة عن جماعة، و بعد الاستدلال له قال: و قیل لا یجوز مطلقا، و اختاره الفاضل فی التذکرة و غیرها. و ذکر فی آخر المسألة کلام المحقق(قدس سرّه)، أی التفصیل بین المرّة الاُولى فیجوز، و معاودة النظر فلا یجوز، و جعله أضعف الأقوال فی المسألة.(2)
و یظهر من کلام ابن قدامة فی المغنى، أنّ الأقوال الثلاثة أیضاً موجودة عندهم، فقد حکی عن القاضی (من فقهائهم) أنّه قال: یحرم علیه النظر إلى ما عدا الوجه و الکفین، لأنّه عورة، و یباح له النظر إلیها مع الکراهة إذا أمن الفتنة و نظر بغیر شهوة. ثم قال: و هذا مذهب الشافعى، لقول الله تعالى: (وَ لاَ یُبْدِینَ زِیْنَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا). قال ابن عباس: الوجه و الکفین.
و حکى فی صدر کلامه عن أحمد أنّه محرماً إلى جمیعها حیث قال: لا یأکل مع مطلقته هو أجنبی لا یحل له أن ینظر إلیها، کیف یأکل معها ینظر إلى کفّها؟ لا یحل له ذلک.
ثم اختار هو نفسه، عدم الجواز، و استدل ببعض الآیات و غیر واحد من الروایات، منها ما عن علی(علیه السلام)قال: قال لی رسول الله(صلى الله علیه وآله): لا تتبع النظرة النظرة، فانما لک الاولى و لیست لک الآخرة (و هذه تشیر إلى القول الثالث)(3).