و أمّا الروایات فیه کثیرة غایة الکثرة، و إنّما تبلغ حد التواتر و هی على طوائف:

الف) ما ورد فی تفسیر قوله تعالى «الاّ ما ظهر منها»: الروایات الدالة على تفسیر قوله تعالى: (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، بالوجه و الکفین. مثل ما عن الفضیل، قال: سألت أباعبدالله(علیه السلام)عن الذراعین من المرأة، هما من الزینة التی قال الله تعالى: (وَ لاَ یُبْدِینَ زِیْنَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ). قال: نعم، و مادون الخمار من الزینة و مادون السوارین.(1)

و مثله ما رواه عبدالله بن جعفر فی قرب الاسناد(2) و کذا ما أشبههما.

ب) ما ورد فی القواعد من النساء: ما ورد فی حکم القواعد من النساء فی الروایات الکثیرة التی رواها فی الوسائل، فی الباب 110، من مقدمات النکاح.

مثل ما عن محمد بن مسلم، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی قول الله عزّوجلّ «و القواعد...» ما الذی یصلح لهن أن یضعن من ثیابهن؟ قال: الجلباب.(3)

و کذا الروایة الثانیة و الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة من هذا الباب بعینه، فانها على اختلافها فی تعیین المصداق فی الجلباب، أو الجلباب و الخمار، أو غیر ذلک، تدل على وجوب الستر على غیر القواعد، مطلقا. (ما عدا الوجه و الکفین المستفاد من روایات اُخرى).

ج) ما ورد فی نساء الاعراب واهل البوادی: ما ورد فی حکم نساء الاعراب و أهل البوادی، من جواز النظر إلى شعورهن، معللاً باِنّهم إذا نهوا لا ینتهون.(4) بناءً على رجوع ضمیر المذکر إلى النساء، لسهولة الأمر فی التذکیر و التأنیث، و بقرینة ذیل الروایة، فانه قد عطف علیها المجنونة والمغلوبة على عقلها. و المذکور فی نسخة الکافی عندنا أیضاً ذلک.(5) و لکن عن الفقیه، و علل الشرایع; لأنهن إذا نهین لا ینتهین.(6)

و على کل حال، دلالتها على المطلوب واضحة، فانّ مفهومها وجوب الستر علیهن.
و لکن إذا نهین عن السفور، لا ینتهین، فیجوز النظر إلیهم، للابتلاء بهن.

د) ما ورد فی حکم الاماء من حیث التستر: ما ورد فی حکم الإماء من حیث التستر; مثل ما رواه فی الکافی، فی الصحیح، عن اسماعیل بن بزیع، قال: سألت أبالحسن الرض(علیه السلام) عن أمهات الأولاد لها أن تکشف رأسها بین یدى الرجال؟ قال: تقنّع.(7) هذه الروایة تدل بوضوح على أنّ وجوب التستر على الحرائر، کان أمراً معلوماً مفروغاً عنه، و إنّما سئل عن حکم أم الولد، فامر بالتستر. و لعله لکونها فی مسیر الحریّة.

ه) الروایات الواردة فی الباب 125: الروایات الکثیرة الواردة فی الباب 125، من المقدمات، التی تدل بعضها على عدم جواز کشف المرأة رأسها عند الخصیّ، و بعضها على جوازه، و حمل الثانی على التقیة، أو الضرورة. فمن الأول، ما عن علی بن علی، أخی دعبل، عن الرض(علیه السلام)عن آبائه، عن الحسین(علیهم السلام)، قال: أدخل على اختی سکینة بنت علی، خادم، فغطت رأسها منه فقیل لها: أنّه خادم، فقالت: هو رجل منع من شهوته(8) و المراد من قوله: أنّه خادم; أنّه خصیّ، بقرینة ذیلها.

و من الثانی، ما رواه محمد بن اسماعیل بن بزیع، قال: سألت أبالحسن الرض(علیه السلام)عن قناع الحرائر من الخصیّات؟ فقال: کانوا یدخلون على بنات أبی الحسن(علیه السلام) و لا یتقنعن. قلت: فکانوا أحراراً؟ قال: لا، قلت: فالأحرار یُتقَنَّعُ منهم؟ قال: لا.(9)

و للبحث عن جواز عدم التستر، أو حرمته، مقام آخر; و لکن جمیع هذه الروایات الکثیرة نفیاً أو إثباتاً دلیل على وجوب الستر على المرأة فی غیر الموارد المستثناة، سواء کان محل الکلام منها أم لا.

و) ما ورد فی وجوب الخمار على الجاریة اذا بلغت: الروایات المتعددة الدالة إما على وجوب الخمار على الجاریة إذا بلغت، و إمّا على عدم وجوب التستر عن الصبی حتى یبلغ الصبی، فراجع الباب 126، ففیها أربع روایات، کلّها تدل على المطلوب بوضوح، فإنّها صریحة فی وجوب الستر على المرأة، إلاّ فی الموارد المستثناة.

ز) ما دل على وجوب ستر المرأة عن عبدها: مثل ما رواه یونس بن عمار و یونس بن یعقوب، جمیعاً، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: لا یحلّ للمرأة، أن ینظر عبدها إلى شیء من جسدها إلاّ إلى شعرها غیر متعمد لذلک.(10)

و من الواضح، أن الروایة لیست بصدد بیان حکم نظر العبد، بل حکم تستر المرأة عنه، لانها تقول لا یحلّ للمرأة... .

فقد تلخص من جمیع ما ذکرنا، أنّ الروایات الدالة على وجوب الستر على النساء، تبلغ حد التواتر، و فی الغالب تدل بالدلالة الالتزامیة، و هی ههنا أبلغ من الدلالة المطابقیة، لأنّ ظاهرها أو صریحها، کون وجوب الستر امراً مسلماً مفروغاً عنه بین المسلمین، و إنّما وقع السئوال عما یتفرع علیه و عن استثنائاته، و إذا انضمت بالأیات القرآنیة الصریحة، و بالضرورة بین المسلمین، ثبت الحکم بأبلغ البیان و أتمّ البرهان. هذا کله بالنسبة إلى وجوب حجاب النساء.

1. الوسائل 14/145، الحدیث 1، الباب 109 من أبواب مقدمات النکاح.
2. الوسائل 14/146، الحدیث 5، الباب 109 من أبواب مقدمات النکاح.
3. الوسائل 14/146، الحدیث 1، الباب 110 من أبواب مقدمات النکاح.
4. الوسائل 14/149، الحدیث 1، الباب 113 من أبواب مقدمات النکاح.
5. الشیخ الکلینی، فی الکافی 5/524، الحدیث 1، باب النظر إلى نساء الاعراب.
6. الشیخ الصدوق، فی من لایحضره الفقیه 3/470، و الشیخ الصدوق، فی علل الشرایع 2/565.
7. الوسائل 14/150، الحدیث 1، الباب 114 من أبواب مقدمات النکاح.
8. الوسائل 14/167، الحدیث 7، الباب 125 من أبواب مقدمات النکاح.
9. الوسائل 14/167، الحدیث 3، الباب 125 من أبواب مقدمات النکاح.
10. الوسائل 14/164، الحدیث 1، الباب 124 من أبواب مقدمات النکاح.