و یدل علیه، أولا، انه موافق للأدب المطلوب بین الأولاد و الأولیاء، فانّ البنت (بل الابن أیضاً) إذا کان لها أدب إلهی، یستأذن أباها و أولیائها فی الأمور المهمة، و هذا من الآداب الواضحة. و أیّ أمر أهم من النکاح لا سیما من الاُمور التی تسری مشاکله و محاسنه إلى الأولیاء أیضاً; فلیس الاستیذان مجرد احترام لهم بل له دور فی مسائل حیاتهم و مشاکلهم أو محاسنهم.
ثانیا، أنّ الأولیاء لهم تجارب کثیرة فی أمر النکاح، سواء بالنسبة إلى أنفسهم و أقربائهم و أصدقائهم; و لا یستغنى الولد من هذه التجارب القیمة، فالعقل و الشرع یدعوان إلى الاستیذان للوصول بهذا المقصد الأسنى; و لیس هذا ما قبله من الاستحسانات الظنّیة بل من المستقلات العقلیة القطعیة.
ثالثا، هناک روایات کثیرة أمر فیها بالاستیذان، و إذا جمع بینها و بین ما یدلّ على استقلالها فی هذا الأمر، فأحسن جمع بین الطائفتین، هو الحمل على الاستحباب، و إلیک شطر منها:
1- ما رواه ابن أبی یعفور، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: لا تنکح ذوات الاباء من الابکار الا باذن آبائهن.(1)
و ظاهرها و إن کان هو الوجوب، و لکن الحمل على الاستحباب، فی هذه الموارد بقرینة روایات الاستقلال، جمع عرفی معروف فی جمیع أبواب الفقه.
2- ما رواه الحلبی، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن البکر إذا بلغت مبلغ النساء، ألها مع أبیها أمر؟ فقال: لیس لها مع أبیها أمر ما لم تثیب.(2)
3- مرسلة ابن بکیر، عن رجل، عن أبی عبدالله(علیه السلام)قال: لا باس أن تزوج المرأة نفسها إذا کانت ثیباً بغیر اذن أبیها إذا کان لابأس بما صنعت.(3)
و حکم الأب و الجد هنا واحد، کما هو واضح.
و أمّا بالنسبة إلى الاستیذان من الأخ عند فقد الأب و الجد، فهو أیضاً یجرى فیه ما سبق من الأدلة، من کونه أدباً لایقاً بحال الأخ لاسیّما الأکبر، و من کونه ذا تجربة غالباً أکثر من أخته، و لا أقل من أنّ مشاکل الاُخت و محاسنها تسری إلى الأخ لا محالة لا سیما الأخ الأکبر.
مضافاً إلى غیر واحد من الروایات الواردة فی الباب; منها:
1- ما رواه أبوبصیر، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن الذی بیده عقدة النکاح؟ قال: هو الأب و الأخ و الرجل یوصى إلیه... .(4) و حیث إنّ الأدلة الدالة على استقلالها بمنزلة النص، و هذه الروایة و أمثالها بمنزلة الظاهر، فالجمع بالحمل على الاستحباب.
2- ما رواه العلاء بن رزین، عن محمدبن مسلم، عن أبی جعفر(علیه السلام) مثله، إلاّ أنّه قال: فأیّ هولاء عفا فعفوه جایز فی المهر إذا عفا عنه.(5) و الکلام فیه مثل ما سبق.
3- ما عن الحسن بن على، عن بعض أصحابنا، عن الرض(علیه السلام) قال: الأخ الأکبر بمنزلة الأب.(6) و هذا فی خصوص الأخ الأکبر; و الله العالم.
و لصاحب الجواهر کلام فی المقام، و حاصله إنّ المستفاد من النهى عن نکاح البکر بدون اذن الأب أو غیره، هو کراهة الاستبداد لها، لا استحباب الاستیذان; و حکاه عن الحدائق أیضاً، ثم قال: اللهم إلاّ أن یدعى الاستفاده ذلک عرفاً.(7)
أقول: و یمکن الاستشهاد له بما مر من الدلیلین العقلیین، فانّ الأدب للوالد مستحب قطعاً، و کذا الرکون إلى تجاربه فی اُمور الحیاة.
المسألة 10: هل للوصی أى القیم من قبل الأب أو الجد، ولایة على الصغیر و الصغیرة فی النکاح؟ فیه إشکال، لا یترک الاحتیاط.