أمّا الأول; فیدل على القول بالجواز اُمور:
منها، السیرة المستمرة بین المسلمین من زمن النبی(صلى الله علیه وآله) إلى أعصار الأئمة(علیهم السلام) و ما بعدها. کما قال فی الجواهر: أنّ السیرة المستمرة فی الأعصار و الأمصار من العلماء و المتدینین و غیرهم، و بالمتواتر أو المعلوم مما ورد من کلام الزهراء و بناتها علیها و علیهن السّلام، و من مخاطبة النساء للنبی(صلى الله علیه وآله) و الأئمة(علیهم السلام) على وجه لا یمکن إحصائه، و لا تنزیله على الاضطرار لدین أو دنیا.(1)
و منها، آیات من الذکر الحکیم، مثل تکلّم موسى مع بنات شعیب. قال الله تعالى: (...قَالَ مَا خَطْبُکُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِى حَتَّى یُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَ أَبُونَا شَیْخٌ کَبِیرٌ).(2) (فَجَائَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْیَاءِ قَالَتْ اِنَّ أَبِى یَدْعُوکَ لِیَجْزِیَکَ أَجْرَ مَا سَقَیْتَ لَنَا...).(3) و لا یمکن حملها على الضرورة.
و تکلم یوسف مع إمرأة العزیز و سایر نساء مصر. قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ اَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا یَدْعُونَنِى إِلَیْهِ...)(4) اللّهم إلاّ أن یقال هن کنّ فاسقات لا یقبلن النهی عن المنکر.
بل و ما ورد فی قوله تعالى: (یَا نِسَاءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ کَأَحَد مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَولِ فَیَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً).(5)
و سیأتی إن شاءالله، أنّ الخضوع بالقول یراد منه ترقیق الصوت و تلیینه بما یکون مهیجاً، فیطمع الذی فی قلبه مرض. (و هذا التعبیر یدل على أنّ الغریزة الجنسیة إذا کانت متعادلاً لم تکن محرمة. و إنّما تکون مذمومة إذا خرجت عن حدّ الاعتدال، کما تدل على أنّ الخروج عن حدّ التعادل فی هذه الاُمور نوع من الأمراض الرّوحیّة).
و على أی حال، تدل الآیة بمقتضى مفهوم الوصف، أنّ الصوت الذی لیس فیه خضوع، لیس محرماً.
و منها، روایات تدل على جواز السلام على المرأة و سماع جوابها، و یکره على الشابة. مثل ما رواه رِبعى بن عبدالله، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: کان رسول الله(صلى الله علیه وآله) یسلّم على النساء و یرددن علیه. و کان أمیرالمؤمنین(علیه السلام)یسلّم على النساء و کان یکره أن یسلّم على الشابّة منهن، و یقول: أتخوف أن یعجبنى صوتها، فیدخل علىّ أکثر مما طلبت من الأجر.(6) و سند الحدیث معتبر.
و قال الصدوق: إنّما قال ذلک لغیره، و إن عبّر عن نفسه و أراد بذلک أیضاً التخوف من أنّ یظنّ به ظان أنّه یعجبه صوتها، فیکفر.(7)
و ما عن عمار الساباطی، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، أنّه ساله عن النساء کیف یسلمن إذا دخلن على القوم؟ قال: الامرأة تقول علیکم السلام، و الرجل یقول السلام علیکم.(8)
و طریق الصدوق بعمّار الساباطی قوىّ، کما فی جامع الرواة عن الخلاصة.
و منها، الروایات الدالة على نیاحة النساء، الظاهرة فی سماع صوتهن. مثل ما رواه فی البحار، من أنّ الباقر(علیه السلام)أوصى أن یندب له فی المواسم عشر سنین.(9) و فی روایة اُخرى أنّه(علیه السلام) قال: قف من مالی کذا و کذا لنوادب، تندبنی عشر سنین بمنى أیام منى(10).
و الاولى و إن لم تکن صریحة فی المطلوب، لأنّ الندب و النوح لا یختص بالنساء و إن کان الغالب ذلک، و لکن الثانیة ظاهرة فیه لتأنیث الضمیر.
و یمکن أن یقال إنّ الروایات الدالة على جواز النیاحة و کسب النائحة إذا لم تکن نوحاً بالباطل، أیضاً دلیل على المطلوب، لأنّ المتعارف سماع صوتهن.
و منها، الروایات الکثیرة المبثوثة فی أبواب مختلفة تدل على فعل المعصوم أو قوله أو تقریره فی ذلک، أو من تربى فی حجور المعصومین(علیهم السلام). و لکن یمکن حمل خطبة الزهراء(علیها السلام) فی مقابل المهاجرین و الأنصار، و کذا خطبتى بنتها زینب(علیها السلام) فی الکوفة و الشام، على بعض الضرورات التی لا تخفى. و لکن لا یمکن حمل جمیعها على الضرورات أو على خصوص العجائز أو شبه ذلک.
و أیضاً، ما دل على جواز تعلیم الرجال الأجانب القرآن للنساء، مثل ما عن أبی بصیر، قال: کنت اقرئ إمرأة کنت اعلّمها القرآن، فمازحتها بشىء; فقدمت على أبی جعفر(علیه السلام)فقال لی: ای شیء قلت للمرأة؟ فغطیت وجهی فقال: لا تعودن إلیها.(11)
و هذا دلیل على جواز سماع صوتها و أنّ الحرام هو الممازحة معها.