إذا دخل بها قبل تسع سنین، فافضاها، تترتب علیه أحکام أربعة على المشهور:
1- تحرم علیه وطؤها أبداً.
2- تجب علیه نفقتها ما دامت حیّة.
3- تجب علیه دیة الافضاء، (و هی دیة کاملة للمرأة، خمس مأة دینار).
4- تجرى علیها أحکام الزوجة من التوارث و غیره مالم یطلّقها.
و أمّا الحرمة الأبدیة، فلا دلیل علیها إلاّ مرسلة یعقوب بن یزید، التی مرّت آنفاً; و فیه، أنّها ضعیفة السند أوّلا، و لا تختصّ بالافضاء ثانیاً، و انجبارها بعمل المشهور، مع اطلاقها بل ظهورها فی استناد الحرمة إلى مجرّد الدخول لا إلى الافضاء، مشکل جداً.
هذا مضافاً إلى أنّ التحریم المؤبد مخالف لمقتضى النکاح، و المفروض أنّ النکاح باق على حاله، و قد دلت علیه الروایات کما ستسمعها إن شاء الله.
فاذن یبدو هنا أمر عجیب لیس له نظیر فی الفقه ظاهراً، و هو أن تکون المرأة زوجة له مع حرمة وطیها أبداً، و کیف یمکن إثبات هذا الأمر العجیب بروایة مرسلة، لم یثبت انجبارها.
أضف إلى ذلک، أنّ فیه ضرراً عظیماً على الزوجة، لا سیما إذا کانت شابة و کانت قابلة للمواقعة، و لو فی حال الافضاء، فان الافضاء قد لا یکون مانعاً عنها; و لعله لذلک کله مال إلى الحلیّة جماعة من المتأخرین.
هذا کله إذا لم تندمل و أمّا إذا اندملت أو صارت کالیوم الأول بسبب عمل الجراحیة، فلا وجه فیها للحرمة أبداً و لا معنى له.
و العجب أنّه قد یظهر من بعضهم بقاء الحرمة، و لو بعد الاندمال!
و أمّا وجوب الانفاق علیها ما دامت حیّة، فهو أیضاً مشهور و صرح فی الجواهر بعدم وجدانه الخلاف فیه، بل حکى الإجماع علیه عن جماعة.(1) و عمدة ما یدل علیه هو صحیحة الحلبی عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن رجل تزوج جاریة فوقع بها فافضاها. قال: علیه الاجراء علیها ما دامت حیّة.(2)
هذا، و لکن ظاهره الاطلاق بالنسبة إلى مادون التسع و ما بعده، فان الجاریة لها مفهوم عام تشمل کل شابة; و لکن المشهور - کما قیل - شهرة عظیمة تکاد تکون إجماعاً، على اختصاص الحکم بالصغیرة; و لکن الانصاف أنّ هذا غیر کاف فی تقیید اطلاق الروایة.
بل الظاهر اطلاقها و شمولها حتى لما بعد الطلاق، خلافاً لما عن الإسکافی، فانّه منع منه بعد الطلاق و لا وجه له; لا سیّما مع قوله(علیه السلام) فی مصحح حمران، من تعلیل الدیة بل والانفاق، بقوله: قد أفسدها و عطّلها على الازواج.(3)
نعم، القول بشموله حتى لما بعد النکاح الجدید و الانفاق علیها من زوجها الجدید، غیر خال عن الإشکال; لأنّ تعدد الانفاق بعید جدّاً لأنّها حینئذ لم تعطل على الأزواج، و هناک من ینفق علیها، فانصراف الاطلاق عنه غیر بعید.
و القول بأنّ أحد الانفاقین من باب الزوجیة، و الآخر من باب الجریمة، کماترى، فانّه مناف لمفهوم الانفاق.
و أمّا الدیة، فهی أیضاً ممّا اشتهر بین الاصحاب، بل ادعى علیها الإجماع، بل عن العامة أیضاً وجوب الدیة بالافضاء إمّا مطلقا، أو فی خصوص الصغیرة، و مثلها قال ابن
قدامة فی المغنى: أنّ الضمان یجب بوطىء الصغیرة أو النحیفة التی لا تحتمل الوطىء دون الکبیرة المحتملة له; و بهذا قال أبوحنیفة. و قال الشافعی: یجب الضمان فی الجمیع، لأنّه جنایة فیجب الضمان به; ثم حکى مقدار الدیة عن بعضهم الثلث، و عن بعضهم الدیة الکاملة; (الأول عن قتادة و أبی حنیفة، و الثانی عن الشافعی).(4)
و حکی النووی فی المجموع، عن بعضهم، التفصیل بین أنواع الافضاء، ففى بعضها تجب ثلث الدیة و فی بعضها الدیة کاملة.(5)
و على کل حال، یدل علیه مضافاً إلى ما ذکر، عدّة روایات:
1- ما رواه حمران، عن أبی عبدالله(علیه السلام)، قال: سئل عن رجل تزوج جاریة بکراً لم تدرک، فلمّا دخل بها اقتضها فافضاها؟ فقال: إن کان دخل بها حین دخل بها و لها تسع سنین، فلا شیء علیه; و إن کانت لم تبلغ تسع سنین، أو کان لها أقل من ذلک بقلیل، حین اقتضها، فانّه قد افسدها و عطّلها على الأزواج، فعلى الإمام أن یغرمه دیتها; و إن امسکها ولم یطلقها، فلا شیء علیه.(6)
2- و مثله مع تفاوت بیسیر ما رواه برید بن معاویة العجلی، عن الباقر(علیه السلام).(7)
3- و احسن منهما، ماورد فی أبواب الدیات، من صحیح سلیمان بن خالد، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن رجل وقع بجاریة فافضاها، و کان إذا نزلت بتلک المنزلة لم تلد; قال: الدیة کاملة.(8)
و لکن الذی یظهر من ذیل الأولتین، سقوط الدیة بامساکها و عدم طلاقها; و عن ابن الجنید الاسکافی، العمل به.
و لکنه معرض عنه بین الأصحاب; و الوجه فیه ظاهر، فانّ الدیة لزمت بالجنایة، و لا وجه لسقوطها بمجرد بقاء نکاحها; اللّهم إلاّ أن یکون ذلک من باب التصالح بینهما و هو غیر بعید.
هذا، والانصاف أنّ موارد الافضاء، مختلفة، کما سیأتی; ففی بعضها یلزم تعطیل المرأة على الأزواج، ففیه الدیة الکاملة; و فی بعضها لیس کذلک، بحیث یکون کالجائفة، ففى وجوب الدیة الکاملة حینئذ تأمل واضح.
و أمّا بقاء احکام الزوجیّة إلى أن یطلّقها، و هذا أیضاً مشهور بین فقهائنا، بل إدعى فی الجواهر فتوى المعظم بل الکل علیه.(9) و یدل علیه، أنّ الخروج عن الزوجیة یحتاج إلى أسباب معینة، و ما لم یثبت لا یخرج عنها; لا لمجرّد الاستصحاب حتى یقال أنّ المقام من الشبهات الحکمیّة، و قد استشکلنا فی حجیته، بل لما عرفت من أنّ الخروج عنها منوط بأسباب معینة و لم یحصل شىء منها.
مضافاً إلى ما عرفت فی ذیل روایتى حمران و برید بن معاویة(10) من قوله: و إن امسکها و لم یطلقها فلا شیء علیه; الظاهر بل الصریح فی بقاء الزوجیة بحالها; اللّهم إلاّ أن یقال بإن ذیلهما - کما عرفت - غیر معمول به عند الأصحاب.
و الذی یمکن الاستدلال به للخروج عن الزوجیة، أمران:
1- ما ورد فی مرسلة یعقوب بن یزید،(11) من قوله: فرق بینهما; الظاهر فی حصول البینونة و بطلان الزوجیة; و لکن ضعف سندها، و أعراض الأصحاب عنها، یسقطانها عن الحجیّة.
2- أنّ بقائها مع حرمة وطیها أبداً متنافیان، و لکن قد عرفت أنّ الأقوى عدم حرمته.