یبقى الکلام فی القول الثالث، اى الاکتفاء بالرضا القلبی الذی مال إلیه شیخنا الأعظم فی بعض کلماته و یمکن الاستدلال له باُمور:
1- عمومات وجوب الوفاء بالعقود; ولکن یرد علیه أنّه فرع صدق العقد علیه و هو غیر معلوم. فانّ مجرّد الرضا القلبی شیء لایکون معاقدة و معاهدة، بل العقد یحتاج إلى إنشاء فانّه من الاُمور الاعتباریة التی قوامها الانشاء; بل یکفى الشک فی ذلک، لأنّ الأخذ بالعموم حینئذ من قبیل التمسک بعموم العام فی الشبهة المصداقیة و هو باطل على قول المحققین.
و إن شئت قلت: الاُمور على قسمین: اُمور تکوینیة، و اُمور اعتباریة. أمّا الأول، فهی الحقایق الموجودة الخارجیة بل الحالات النفسانیة من العلم، و القدرة و الرضا و الغضب و غیرها کلها من الحقایق. و أمّا الاعتباریات، فلیس لها وجود فی الخارج و إنّما هی فی عالم الاعتبار (و قد ذکرنا فی محلّه ان الاعتبار نوع من الفرض و الافتراض) و ذلک کالملکیّة و الزوجیة و أشباههما، و هی محتاجة إلى الاعتبار و الإنشاء. و من الواضح أنّ استناد العقد إلى صاحبه لیس من الاُمور التکوینیة، بل هی من الاُمور الاعتباریة، و لایکفی مجرّد الرضا بالشیء فی مقام الانشاء. فتدبر، تعرف. و الله العالم. و ستأتی تتمة لذلک فی المسالة الآتیة.
2- قد مرّ فی غیر واحد من روایات نکاح العبید فضولا، أنّ سکوت المولى کاف فی صحته، و السکوت لیس إنشاء بل هو کاشف عن الرضا.
و فیه، أنّ السکوت فی هذه المقامات من قبیل إنشاء الاجازة بالفعل; کما فی اذن البکر، و ان سکوتها اقرارها; فانه من قبیل انشاء التوکیل. فتامل.
3- ما دلّ على أنّ معصیة السید ترتفع باجازته، و من المعلوم أنّها ترتفع برضاه قبلاً أیضاً.
ولکن یمکن الجواب بأن رفع عصیان السیّد بمجرّد رضاه، أول الکلام; مثلاً إذا باع رجل ملک غیره فقد عصاه، لا أنّه عصى الله; و رفع هذه العصیان لایکون بمجرّد الرضا بل بانفاذ العقد و اجازته و إسناد العقد إلیه، لأنّه لا بیع إلاّ فی ملک; فاللازم اعتبار ملکیة الغیر باجازة الفضولی.
فتحصل من جمیع ما ذکرناه أنّ إنشاء الاجازة تحصل بکل ما دل علیه بقول صریح أو ظاهر أو فعل کذلک، و من الواضح أنّ الفعل یحتاج إلى قرینة. و تمام الکلام فی هذه المسألة فی المسألة الآتیة (و کان ینبغى أن یجعل المسألتان مسألة واحدة، و کانه تبع فی ذلک صاحب العروة، حیث جعلها مسألتین، المسألة 19 و 22 من مسائل عقد النکاح).
المسألة 19: لایکفى الرضا القلبی فی صحة العقد و خروجه عن الفضولیة و عدم الاحتیاج إلى الاجازة; فلو کان حاضراً حال العقد راضیاً به، إلاّ أنّه لم یصدر منه قول أو فعل یدل على رضاه، فالظاهر أنّه من الفضولی. نعم، قد یکون السکوت اجازة، و علیه تحمل الأخبار فی سکوت البکر.