ثم، إنّه ما المراد بموضوعه و هو الثیب; و قد وقع فیه خلاف فی أنّه هل هو من ذهبت بکارتها (أی عذرتها، و هی الغشاء المخصوص) بأی سبب کان، حتى بالوثبة أو بمرض و نحوه.
أو أنّ المراد منها ذهابها بالدخول، و لو کان بالزنا، نعوذ بالله.
أو أنّ المراد ما إذا ذهبت بسبب النکاح أو وطی الشبهة.
أو أنّ المراد من لم تتزوج، فاذا زوجت و طلقها قبل الدخول، أو مات عنها زوجها، کانت ثیبة.
قال الشهید الثانی، فی المسالک: أعلم أن الثیبوبة تتحقق بزوال البکارة بوطی و غیره، و انتفاء الولایة عنها مشروط بکونها بالوطی، کما نبه علیه فی الروایة، (روایة سعد بن اسماعیل، 15/3) فلو ذهب بغیره، فهی بمنزلة البکر.(1)
و قال النراقی فی المستند: لو ذهب بکارتها بغیر الوطی، فحکمها حکم البکر، و کذا من ذهبت بکارتها بالزنا، و لو تزوجت و مات زوجها، أو طلقها قبل الوطی، لم تسقط الولایة، للإجماع و صدق الباکرة علیها.(2)
ظاهر الکلام المسالک، اشتراطه بأمرین، زوال البکارة و کونها بالوطی.
و ظاهر کلام المستند، اشتراطه بثلاثة اُمور، زوال البکارة و کونها بالوطی و کون الوطی مشروعاً.
و قال فی العروة: أنّ المدار على التزویج فقط، فإذا تزوجت و مات عنها زوجها، أو طلقها قبل الدخول، لا یلحقها حکم البکر. (و هذا هو الذی ادعى فی المستند، الإجماع على خلافه) و صرح بأنّ ذهابها بغیر الوطؤ، لا یخرجها عن کونها بکراً; و کذا لو ذهبت بالزنا أو الشبهة، لا یبعد الالحاق.(3)
و أمّا المخالفون، فقد قال ابن قدامة، فی المغنى، بان: الثیب... هی الموطوئة فی القبل، سواء کان حلالا أو حراماً; و هذا مذهب الشافعی و قال مالک و أبو حنیفة فی المصابة بالفجور حکمها حکم البکر... و إذا ذهبت عذرتها بغیر جماع کالوثبة أو شدة حیضة أو باصبع أو عود و نحوه، فحکمها حکم الابکار. ذکره ابن حامد.(4)
و الذی یستفاد من مجموع هذه الأقوال، أنّ الفقها من الخاصة و العامة، لم یتفقوا على شىء هنا; و اللازم الغور فی معنى الثیب لغة، ثم الغور فی روایات الباب، أمّا الأول، فقد قال فی القاموس: الثیب، المرأة فارقت زوجها أو دخل بها.
و قال فی الصحاح: قال ابن السکیت، و هو الذی دخل بامراة، و هی التی دخل بها; و یظهر من الأول أنّ المدار على أحد امرین، فراقها عن زوجها أو الدخول بها; کما أنّ ظاهر الثانی دورانه مدار الدخول.
و قال الراغب فی المفردات: إنّ الثیب من; ثوب; بمعنى الرجوع، و هی التی فارق زوجها، و صارت کالابکار، فجعل المدار على فراقها عن زوجها.
ولو أخذ بالقدر المتیقن من هذه الکلمات المختلفة، فلابدّ من اشتراط اُمور ثلاثة: تزویجها، و الدخول بها، و مفارقتها عن زوجها.
و أمّا العرف، فالذی یفهم منه، أنّ الامر یدور مدار بقاء العذرة; فاذا کانت باقیة; یقول هی باکرة، و إلاّ ثیّبة. (بناء على عدم وجود شق ثالث). و ما عرفت من أصل اللغة من اعتبار الدخول، کانها ناظرة إلى ذلک، لأنّه الغالب.
و أمّا الروایات، فالذی یظهر من کثیر منها، أنّ المدار على النکاح و عدمه; منها:
1- ما رواه الحلبی، و عبدالله بن سنان، و الحسن بن زیاد، عن أبی عبدالله(علیه السلام)قال: فی المرأة الثیب تخطب إلى نفسها. قال: هی أملک بنفسها، تولى أمرها من شاءت إذا کان کفواً بعد أن تکون قد نکحت رجلا قبله.(5)
و مثلها ما رواه عبدالخالق، عنه(علیه السلام) أیضاً.(6) و ما رواه عبدالرحمن ابن أبی عبدالله، عن الصادق(علیه السلام).(7) و ما رواه ابراهیم بن میمون عنه(علیه السلام) أیضاً.(8)
و لکن یظهر من بعض الروایات، اعتبار الدخول، مثل روایة على بن جعفر، عن أخیه موسى بن جعفر(علیه السلام).(9) و الجمع بینهما هو الحمل على الغالب.
فالذی یتحصل من جمیع ذلک، أنّ المدار على النکاح; و کان السرّ فیه أنّ التی نکحت مرّة لها خبرة و تجربة بأمر النکاح; و من الواضح أنّ بقاء العذرة و عدمها لا دخل له فیه، فلو فرض کون العرف أو اللغة بخلافه، یوخذ بمقتضى الروایات بعد تفسیرها فیها بما ذکر.
و القول بأنّ النکاح یحمل على فرده الغالب، و هو ما یکون مع الدخول; ممنوع، بان من لم یدخل بها، کثیر لا سیما مع ما تعارف فی کثیر من الناس من الفصل بین العقد والزفاف، فلیس نادراً بحیث تنصرف عنه الروایات.
و ممّا ذکرنا تعرف انه لا مجال لاستصحاب بقاء الولایة، لولا الدخول. و الله العالم.