و على کل حال فقد استدل على البطلان، باُمور:
1- الإجماع، و لکن حال الإجماع فی هذه المسائل معلوم.
2- إن الإنشاء هو الإیجاد، و التعلیق فی الإنشاء هو التعلیق فی الإیجاد (المتحد مع الوجود); و من الواضح أنّ التعلیق فی الوجود، لامعنى له; بل أمره دائماً دائر بین النفى و الإثبات.
و إن شئت قلت: کما أنّ الإیجاد التکوینى لایقبل التعلیق; (کان یقول القائل: أو جدت الضرب أو القتل، إن کان زید شارب الخمر أو قاتلاً). فانّ إیجاد الضرب هو فعله فی الخارج، و هو لا یقبل التعلیق; کذلک الایجاد التشریعی و الاعتباری فی العقود و الایقاعات و غیرها، لایقبل التعلیق.
و لذا اشکل الامر علیهم فی باب الواجب المشروط، حیث إنّ الأمر فی قوله: إن استطعت فحجّ; أو، إن جاء زید أکرمه، من قبیل الانشاء، و التعلیق فی الإنشاء محال. فانه لا معنى لکون الشىء موجوداً على تقدیر و معدوماً على تقدیر آخر، بلّ هو امّا موجود أو معدوم.
و هذا المعنى هو الذی الجأ شیخنا العلاّمة الأنصاری(قدس سره) إلى القول برجوع الواجب المشروط إلى الواجب المعلق و هو ما کان القید فی متعلق الإنشاء لا فی نفس الإنشاء، فقوله: إن استطعت فحج، بمعنى قوله: یجب علیک الحج عند الاستطاعة، أو الحج مستطیعاً. و کذلک قوله: إذا رأیت الهلال فصم; أی یجب علیک الصوم المقید بکونه بعد رؤیة الهلال. و هذا ما یقال من أنّ القید یرجع إلى المادة لا الهیئة، أی إلى نفس الحج أو الصوم لا إلى إیجابها و کذلک قوله: إذا دخل الوقت فصلّ; کل هذه الشروط قیود فی الواجب لا الوجوب، لعدم إمکان التعلیق فی الإنشاء.
و إن کان هذا التفسیر خلاف الوجدان و المرتکز فی الأذهان.
و لعلّ هذا أیضاً هو الذی الجأ سیدنا الاستاذ الخوئی (رحمه الله) إلى القول بان الإنشاء لیس أمراً ایجادیا، بل هو ابراز مافی الضمیر من الإرادة أو الاعتبار النفسانی.
و فیه اشکال ظاهر، لأنّ کلّ أحد یرى الفرق بین قولنا: افعل; و قولنا، أبرز لک ما فی ضمیرى من الإرادة. (و إلاّ احتمل الإنشاء الصدق و الکذب، لأنّه نوع من الحکایة) و کذلک بین زوجت نفسی لک; و بین أبرز لک ما فی ضمیری من اعتبار الزوجیّة و البناء علیها.
و الانصاف، أنّ التعلیق فی الإنشاء أمر ممکن لا استحالة فیه، و ما یدعى من الاستحالة شبهة فی مقابل الوجدان و البرهان، و سنکشف النقاب عنها.
أمّا الوجدان; فلانّ الشّرط بحسب القواعد العربیة و بحسب الارتکاز العرفی، یعود إلى الهیئة. فلذا إذا قال: إذا دخل الوقت، یجب علیک الصلوة; کان الظرف متعلّقاً بـ یجب لا الصلوة. و شیخنا العلاّمة الأنصاری (قدس سره) اعترف بذلک، و لکن ذهب إلى ارتکاب امر مخالف للظاهر، هرباً من محذور استحالة التعلیق فی الإنشاء.
و أمّا البرهان; فیتوقف على فهم معنى أن، الشرطیّة، و معادله فی الفارسیّة، (اگر); و من العجیب أنا نتکلم لیلاً و نهاراً بهذه الألفاظ، و لها معان واضحة مرتکزة فی أذهاننا اجمالاً; أمّا عند شرحها و تحلیلها یصعب الأمر علینا جدّاً.
و الذی یقوى فی النظر، أن معناه نوع من الفرض. و قولنا إن جاء زید...، نفرض أنّه جاء زید...; لا أقول أنّ له معنى فعلىّ، بل له معنى حرفی، و لکن إذا لوحظ استقلالاً یعود إلى ما ذکر، کالفرق بین معنى من و الابتداء.
فاذا قال: إن جاء زید أکرمه; معناه: نفرض أنّ زیداً جاء، ففی هذا الفرض یجب علیک الأکرام. فالإنشاء هنا أیضاً إیجاد بدون التعلیق، و لکن إنشاء فی فرض. و الفرق بینهما دقیق. و إن شئت توضیحاً أکثر، فقس حال المنتظر لقدوم زید، فسمع صوتاً عند الباب، فتخیل أنّه صوت زید، فقال: یا غلام، قم أکرم زیداً; فذهب فلم یَرَ زیداً. و من الواضح أنّ الأمر بالقیام و إکرام زید فی هذه الحالة لیس معلقاً على شىء، بل بعث قطعى باتّ; و لکن هذا البعث کان بعد تخیل مجىء زید، فینحصر باعثیته بفرض مجىء زید. و من هنا یجتمع رجوع القید إلى الهیئة الذی مفادها الإنشاء، مع عدم إمکان التعلیق فی الإنشاء الذی یعود إلى إیجاد أمر اعتباری.
3- تلخّص من جمیع ما ذکر، أن اشتراط التنجیز فی العقد، لیس بسبب استحالة التعلیق، بل الظاهر، أنّ السبب الوحید فیه دلیل ثالث، و هو عدم کون التّعلیق متعارفاً و مقبولاً عند العقلاء; فلذا لانرى أحداً یقول: زوجت نفسی إذا اشتریت داراً آخر; أو إن کان هذا الیوم أول الشهر; أو غیر ذلک من قیود التعلیق.
و لعل السّر فیه، ان طبیعة العقود عند العقلاء مبنیّة على الجزم و القاطعیّة حتى یکون کل من الطرفین عالماً بما له من الوظیفة، و إلاّ کان مثاراً للنزاع و المخاصمة و المشاجرة، و لذا لا یعتنون بالعقود المعلّقة; فاعراض العقلاء من أهل العرف عن العقود المعلقة فی أبواب المعاملات و النکاح و غیرها، هو العمدة فی عدم صحتها، لما عرفت غیر مرّة أنّ العمومات الدالة على الصحة منصرفة إلى ما هو المتعارف بین العقلاء، و لو کان التعلیق على أمر محقق حالى، کان لغواً.
بل یمکن أن یقال إنّ صدق عنوان العقد على غیر المنجز، بعید. لأنّه یدل على إستحکام أمر و شدّة و انعقاد، و الإنشاآت المعلقة لیست کذلک، و إن کنت مصرّاً على صدق عنوان العقد فلا أقل من الانصراف إلى غیرها، کما مرّ. نعم له بعض الاستثنائات، ستأتى الإشارة إلیها إنشاءاللّه.
4- و هناک دلیل آخر، تمسّک به بعضهم لعدم جواز التعلیق، و هو تخلف الإنشاء من المنشأ، (و هذا یجری فی التعلیق على الاُمور المستقبلة).
و حاصله أنّ الإنشاء إیجاد، و الإیجاد ملازم للوجود، فکیف یصح أن یکون الإنشاء الذی هو إیجاد، حالیا; و الوجود، استقبالیاً; مثلاً یکون إنشاء الزوجیة یوم السبت، و وجودها یوم الجمعة، إذا علقها على ذلک الیوم.
و فیه أوّلاً: أنّه غیر صحیح على التفسیر المختار فی معنى التعلیق فی الإنشاء; لأنّ الإنشاء لیس حالیاً، بل إنّما صدر الإنشاء بعد فرض یوم الجمعة مثلاً; فهو إیجاد اعتبار فی فرض خاص و هو یوم الجمعة، و من المعلوم أنّ الوجود أیضاً حاصل فیه فلا تفکیک.
و ثانیاً: الإنشاء المعلق (على فرض صحته، کما هو المفروض) لیس إیجاداً مطلقا، بل الإیجاد أیضاً معلق کالوجود، فکلاهما معلقان متلازمان کما هو ظاهر.