أقول: قد تکلمنا فی المسألة السابقة عن هذا الحکم و نزیدک هنا، أنّ القول بکفایة الرضا فی صحة الفضولی، یظهر من بعض کلمات الشیخ الأنصاری (قدس سره الشریف); و ادعى أنّه یظهر من ظواهر کلمات الأصحاب، لأنّهم أفتوا بعدم کفایة السکوت لأنّه أعم من الرضا، فان هذا التعبیر یدل على کفایة الرضا (ولکن اللازم وجود الکاشف له).
هذا، و قد ادعى سیدنا الاستاذ الخوئی (قدس سره) عکس ذلک، و أنّه لاخلاف بین الأصحاب فی عدم کفایة الخروج عن الفضولی بمجرّد الرضا.(1)
و الانصاف أنّهم لم یتعرضوا للمسألة، و إنّما وقع الکلام فیه بین المتأخرین و المعاصرین من الأصحاب.
و قبل الورود فیه، لابدّ من ذکر مقدّمة و هی: أنّ البحث هنا إنّما هو فی مقام الثبوت، أی على فرض وجود الرضا فی الباطن; و أمّا انکشاف الرضا بماذا، فهو أمر آخر. و یمکن ان یکون الکاشف جملة خبریة، بان یقول فی مقام اللاخبار: قد کنت راضیاً بذاک العقد; أو لم یُخبر أحداً بذلک و أراد ان یعلم تکلیفه بینه و بین الله مثلاً بالنسبة إلى حرمة اُمها علیه. أو علم ذلک من قرائن الأحوال من دون أن یکون هناک إنشاء لفظى أو عملی; و لو کان ثبوت الرضا بانشاء لفظى أو عملى خرج عن محل الکلام. فان الکلام فیما إذا لم یکن هناک شیء إلاّ الرضا الباطنی فی مقام الواقع.
إذا عرفت ذلک، فاعلم أنّ عمدة الدلیل على عدم کفایة مجرّد الرضا الباطنی، مضافاً إلى ما مرّ من ضعف أدلة القائل بکفایته، عدم صدق العقد بمجرّد الرضا; فانّه یحتاج إلى الإنشاء و بدونه - قولاً أو فعلاً- لایصح. و لایمکن قیاسه على اباحة التصرفات فی الأموال، التی تحصل بمجرّد الرضا الفعلی بل الرضا التقدیری; کما إذا دخل ابن الرجل داره و هو لایعرفه لظلمة اللیل و شبهها و قد یظنه أجنبیاً لایرضى بدخوله ولکن على تقدیر علمه ابنه أو صدیقه یرضى بذلک، فانّه قیاس مع الفارق، لأنّ المعتبر فی اباحة التصرف هو مجرّد طیب النفس و الرضا به، (و لا یحل مال امرء مسلم إلاّ عن طیب نفسه، بل بدونه یکون غصباً) ولکن المعتبر فی العقود هو الاسناد، و هو لایحصل إلاّ بالإنشاء.
هذا مضافاً إلى ما ورد فی روایات سکوت البکر و سکوت الموالى بعد علمهم بعقد العبد على نفسه، أنّه (السکوت) اقرار منها أو اقرار منهم; و لم یقل هذا دلیل على رضاها أو رضاهم، و الاقرار هو الامضاء.
1. السید الخوئی، فی مستند العروة، کتاب النکاح 2/326.
