أمّا الحدود; فالمعروف و المشهور عدم قبول شهادة النساء فیها; قال فی المبسوط بعد تقسیم الحقوق إلى ضربین حق الله و حق الآدمی، و بعد شرح أحکام حقوق الآدمی من ناحیة الشهادة مانصه: فأمّا حقوق اللّه (و مراده من ذلک، الحدود) فجمیعها لا مدخل للنساء و لا مدخل للشاهد مع الیمین فیها... و روى أصحابنا أنّ الزنا یثبت بثلاثة رجال و امرأتین، و برجلین و أربع نسوة.(1)
و قال المفید فی المقنعة: و لا یقبل فی الزنا و اللواط و لا شیء ممّا یوجب الحدود، شهادات النساء; و لا یقبل فی ذلک إلاّ شهادات الرجال العدول البالغین... و لا تقبل فی الزنا و اللواط و السحق شهادة أقل من أربعة رجال مسلمین عدول، و لا تقبل شهادة النساء فی النکاح و الطلاق و الحدود.(2)
و صرّح فی الجواهر - فی موضع - بأنّ حق اللّه، منه ما لا یثبت إلاّ بأربعة رجال کالزنا و اللواط و السحق;(3) و فی موضع آخر: و منه ما یثبت بشاهدین عدلین، و هو ما عدا ذلک من الجنایات الموجبة للحدود کالسرقة و شرب الخمر و الردة; و فی موضع ثالث: و لا یثبت شیء من حقوق اللّه تعالى بشاهد و امرأتین، و لا بشاهد و یمین، و لا بشهادة النساء منفردات و إن کثرن، بلا خلاف اجده فیه.
و استدل لذلک، اما بالنسبة إلى الزنا، بقوله تعالى: (وَ الَّذِینَ یَرْمُونَ الُْمحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ یَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءِ...).(4)
و قوله تعالى: (... فَاسْتَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنْکُمْ...).(5)
و قوله تعالى: (لَّوْلاَ جَاءُوا عَلَیْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ...).(6)
و الظاهر أنّ هذه الآیات الکریمة، فی مقام البیان عمّا یکفى لإثبات الزنا; فلو کان غیر أربعة رجال کافیاً لإثبات هذه الجریمة لکان من الواجب الإشارة إلیه، کما فی قوله تعالى فی آیة کتابة الدین: (... وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِّجَالِکُمْ فَإِن لَّمْ یَکُونَا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتَانِ...);(7) فلیست هذه الآیات من قبیل إثبات الشیء، الذی لا ینفی ما عداه.
و من المعلوم أنّ ذکر العدد بصورة المونث دلیل على أنّ المراد بالشهداء هو الرجال، مضافاً إلى أن الشهداء جمع شهید، (و مؤنثه شهیدة).
و یدل علیه أیضاً روایات کثیرة أوردها فی الوسائل و غیره، منها:
1- ما رواه جمیل بن دراج و محمد بن حمران، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: قلنا: أتجوز شهادة النساء فی الحدود؟ فقال: فی القتل وحده; أنّ علیّاً کان یقول لا یبطل دم اُمرء مسلم.(8)
و دلالتها من ناحیة المفهوم واضحة، فانّ حصر شهادتهن فی هذه الأبواب بالقتل الذی من حقوق الناس دلیل على عدم نفوذها فی الحدود الإلهیّة، و سندها أیضاً صحیح معتبر، بل هی فی حکم روایتین.
2- ما عن غیاث بن ابراهیم، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن علیّ(علیه السلام) قال: لا تجوز شهادة النساء فی الحدود و لا فی القود.(9)
3- ما عن موسى بن اسماعیل بن جعفر، عن ابیه، عن أبائه، عن علیّ(علیه السلام) قال: لا تجوز شهادة النساء فی الحدود و لا فی القود.(10)
4- عن السکونی، عن جعفر، عن أبیه، عن علىّ(علیه السلام) أنّه کان یقول شهادة النساء لا تجوز فی طلاق و لا نکاح و لا فی حدود إلاّ فی الدیون و ما لا یستطیع الرجال النظر إلیه.(11)
و الروایة الاُولى معتبرة بحسب السند ظاهراً، فانّ غیاث بن ابراهیم و إن کان من البتریّة (أی زیدیة العامة) و لکنه ثقة; و أحمد بن أبی عبدالله البرقی، هو أحمد بن محمد بن خالد البرقی الذی کان من الثقات، حتى أنّ ابن الغضائری صرّح بوثاقته فی نفسه، و إن کان یکثر النقل عن الضعاف حتى عابوا علیه ذلک، و حتى أنّ أحمد بن محمدبن عیسى من رؤساء القمیین بعّده عن قم ثم أعاده و اعتذر إلیه، و لما مات مشى فی جنازته حافیاً حاسراً و کانه عمل بسیاسة القطع و الوصل لارشاده إلى ما هو الأفضل و کذا إرشاد غیره; (و ما أبعد ما بینه و بین ما یجری فی قم فی زماننا هذا; و إلى الله المشتکى).
و الثانیة ضعیفة، فانّ محمد بن هلال من المجاهیل.
و حال السکونى فی الروایة الثالثة أیضاً معلوم.
و هناک روایات اُخرى رواها فی المستدرک عن الجعفریات و دعائم الإسلام عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) و أبى جعفر(علیه السلام) و أبی عبدالله(علیه السلام)، فراجع.(12)
و الاستدلال بها مع تعاضد بعضها ببعض و صحة بعضها و تضافرها و عمل المشهور بها ممّا لا إشکال فیه.
نعم، هناک روایة تعارضها و هی ما عن عبدالرحمن، قال: سألت أباعبدالله(علیه السلام) عن
المرأة - إلى أن قال - و تجوز شهادة النساء فی الحدود مع الرجال.(13)
و یرد علیه أولا بضعف سند الحدیث، فانّ القاسم هو القاسم بن سلیمان الذی یروى عنه الحسین بن سعید و هو مجهول الحال.
و بعدم المکافئة لأدلة المشهور، ثانیاً; لإمکان الجمع الدلالی بینهما بحمل الأخیر على قبول شهادتهن فی الجملة فی حدّ الزنا، کما سیاتی إن شاء اللّه، و الشاهد لهذا الجمع الروایات الدالة على هذا المعنى.
سلمنا; و لکن الترجیح للأول، لموافقة الشهرة و موافقه کتاب الله تعالى; اللّهم إلاّ أن یقال إن النسبة بینهما بالعموم و الخصوص المطلق، فلا تصل النوبة إلى المرجحات.