قد یقع السؤال - لا سیما فی هذه الأیّام - عن حکمة هذه الأحکام، و فلسفة الفرق بین الرجال و النساء فی أمر الشهادة، و عدم قبول شهادتهن فی بعض الاُمور; و على فرض القبول، لماذا تعدّ شهادة امرأتین بمنزلة شهادة رجل واحد.
و قد صدرت فی هذه الأیّام صورة معاهدة بین الغربیین، تنفی جمیع إشکال الاختلاف و التفاوت بین الجنسین من دون أیّ استثناء، و قد هجموا علینا من کل جانب لامضاء هذه المعاهدة التی تسمى عندهم بالمعاهدة الدولیة، و هذه فی الواقع خطوة کبیرة إلى العلمانیة و سکولاریسم، و یهدد کیان المذاهب کلها; وفی الواقع هم یریدون تحمیل ثقافتهم اللادینیة علینا، لأنّ أکبر الموانع تجاه منافعهم غیر المشروعة هو المذهب لا سیما الإسلام و بالأخص مذهب أهل البیت(علیهم السلام).
و لنذکر إشارة إلى هذه المعاهدة أوّلا، ثم نجیب عنها إجمالا، ثم نشیر إلى حکمة الفرق بین شهادات النساء و الرجال بالخصوص.
امّا الأول، یتم بذکر مقدمتین: الاولى، أنّه لا شک فی الفرق بین الجنسین من الجهات الروحیة و الجسمیة و الخلقیة بحسب الطبیعة; فالرجل جنس خشن، و المرأة ریحانة لا قهرمانة، و لذا لا نرى فی الجنود و الحروب و قواد القوات العسکریة من النساء إلاّ قلیلا لا یمکن أن یذکر. و لو کانت المساواة موجودة من جمیع الجهات لابدّ أن یکون - بطبیعة الحال - نصف الجنود من الرجال و نصفهم من النساء; ونصف الرجال السیاسی منهم و نصف منهن; و نصف من قیادة السیارات و القطارات و الطیارات منهم; ونصف منهن و نصف من رجال الأمن و الشرطی و خدمة نظافة المدن و أرباب البنوک و عملة بناء المساکن و غیرها من أشباهها منهم و نصف منهن; و لکن لا نرى شیئاً من ذلک!; لماذا؟
الثانیة، إنّ الله خلق کلا من الجنسین بخلقة خاصة له، و القوانین مهما کانت، لا تعارض و لا تنازع الفطریات و قوانین الخلقة، حتى أنا لا نرى فی البلاد التی قررت المساواة بینهما منذ زمن طویل، المساواة التی یدّعونها.
بل اللازم اعطاء کل ذی حق حقه، و اعطاء کل من الجنسین ما یلیقه، و تحمیل غیر ما خلق له، ظلم ظاهر.
و هل یوجد فی المراکز الدولیة من أحد الجنسین ما یساوی الآخر.
و یتلخص من ذلک اُمور لابدّ من التنبیه علیها:
1- هل المدار على المساواة، أو رعایة المناسبات؟ (تساوی محوری، یا تناسب محورى); و بعبارة اُخرى هل المدار على العدالة، أو المساواة; (عدالت محوری یا تساوی محوری); و العدالة تقتضى وضع کل شىء وضعه سواء کان مساویاً أو غیر مساو، مثلا العدالة بین الأطفال و الشباب و الشائبین، فی أمر التغذیة مثلا، مقتضى اطعام کل واحد منهم بما یقتضیه مزاجه، و الحال أنّ المساواة تقتضى خلافه.
مثلا العدالة فی أبواب الارث والدیات، فانّ العدالة تقتضى زیادة سهام من علیه النفقات من الارث، و زیادة الدیة لمن یقوم بالواجبات الاقتصادیة أکثر من غیره، فانه لا شک أنّ الرجال غالباً یقومون بهذه الواجبات أکثر من النساء، و لا اعتبار بالأفراد النادرة فی القوانین العامة، و لکن المساواة تحکم بعدم الفرق مع ما فیه من الظلم الفاحش.
2- الغرب یدعى المساواة بین الجنسین، و لکن یخدع المراة و یمکر لها و لا یعطیها إلاّ الحریة الجنسیة، بل قد لایتعامل معها تعامل إنسان بل تعامل بضاعة، و لا یزال یظهر ذلک من خلال اعمالهم.
3- و من المحتمل جداً أنّ اصرارهم على هذه الاُمور إنّما هو لمحو المذاهب، فانّ من أسباب تضعیف المذهب القاء فکرة التبعیض بین الجنسین فی المذهب الإسلامى، و الحال أنّهم یدافعون عن المساواة فی حقوق المراة.
و أمّا بالنسبة إلى عدم قبول شهادة المراة فی بعض الاُمور، فانّ فیه حکمة بل حکماً واضحة فیها حفظ کیان المراة و کرامتها; منها:
1- لا شک أنّ المحاکم و محضر القضاة محل للمنازعات و الدعاوی الخشنة، و الإصلح للمراة عدم حضورها فی تلک المیادین، کما لا تحضر فی أی بلاد العالم فی الحروب إلاّ نادراً; و لیس عدم الحضور فی هذه المجادلات نقصاً و عیباً لهن، فالشارع المقدس ترک قبول شهادتهن حتى لا یحضرن فیها کما منعهم عن الاشتراک فی الحروب.
2- أضف إلى ذلک أنّ الشهادة فرع تحملها، و لو قبلت شهادتها تحضر المراة بطبیعة الحال فی الحوادث المنتهیة إلى القتل و الجرح و الأعمال المنافیة للعفة، و هذا أمر تمس کرامتها.
إن قلت: فلماذا تقبل شهادتهما فی الاُمور المالیة، مثل الدیون و المعاملات و النکاح ولو منضمات.
قلت: الظاهر أنّ هذا من باب الضرورة، لأنّ الدعاوی المالیة کثیرة، و لو لم تقبل فیها شهادات النساء لضاعت الحقوق وانتهک الأموال، و حضور المراة فی مجلس الدین و المعاملة لیس کحضورها عند القتال و الجنایات والأعمال المنافیة للعفة لتمس کرامة المرأة.
3- المرأة لها عواطف رقیقة أکثر من الرجل جداً، و هذا من مفاخرها و صفاتها الکریمة، و لهذا السبب یتیسر لها أن تکون أمّاً تربی أطفالها فی حضنها و تقبل المشاکل العظیمة فی هذا المجال ممّا لا یتیسر للرجال; و کل شیء ترتبط بالعواطف الإنسانیة فللمرأة دور هام بخلاف الرجل.
و من الواضح أنّ هذه العواطف الرقیقة کثیراً ما تمنع المراة عن الشهادة بالقتل و الجنایات الموجبة للقصاص، و الأعمال الشنیعة الموجبة للحد و التعزیر، فهی لا ترضى بهذه الاُمور فلا تشهد بما هو الواقع، بل قد تشهد بخلافه دفعاً للقصاص و الحدود و التعزیرات أو الطلاق ممّا لا توافق طبعها.
و من هنا یظهر أنّه لماذا یشترط قبول شهادتهن فی بعض المواضع بعدد أکثر من الرجال، فانّه بسبب التأکید على عدم میلهن إلى عواطفهن الرقیقة ممّا یتسبب لترک الشهادة بالحق.
و الحاصل، أنّ عدم قبول شهادتهن لیس نقصاً لهن کما أن قبولها من الرجال لیس فخراً لهم، بل هو سبب لمزید مشاکلهم فی هذا السبیل، بل قد یکون الشاهد معرضاً لبلایا و الآفات من ناحیة بعض أرباب الدعوى الذین کانت الشهادة على خلاف منافعهم غیر المشروعة، و لا شک ان المراة أشدّ ضرراً من الرجل فی هذه المجالات. و قد أشیر إلى بعض ما ذکرنا فی روایة العلل، وعیون الأخبار، عن محمد بن سنان، عن الرض(علیه السلام)قال: و علة ترک شهادة النساء فی الطلاق و الهلال لضعفهن عن الرؤیة، و محاباتهن النساء فی الطلاق.(1)
و من الواضح أنّه لیس عیونهن أضعف من الرجال; و کان المراد أنّ رؤیة الهلال تحتاج إلى صعود السطح أو البروز إلى الصحاری، و هذا الأمر مشکل على النساء; کما أنّ المراد بالمحاباة هی جذب عواطفهن على المراة التی ترید أن تنفصل عن زوجها و أولادها لو کان لها أولاد; و اللّه العالم بحقیقة الحال.
المسألة 8: یستحب أن یختار لرضاع الأولاد، المسلمة العاقلة العفیفة الوضیئة ذات الأوصاف الحسنة، فان لللبن تأثیراً تامّاً فی المرتضع کما یشهد به الاختبار و نطقت به الأخبار و الآثار، فعن الباقر(علیه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله علیه وآله): لا تسترضعوا الحمقاء والعمشاء فانّ اللبن یعدی; و عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام): لا تسترضعوا الحمقاء فانّ اللبن یغلب الطباع; و عنه(علیه السلام): انظروا من ترضع أولادکم فانّ الولد یشبّ علیه; إلى غیر ذلک من الأخبار المستفادة منها رجحان اختیار ذوات الصفات الحمیدة خَلقاً و خُلقاً، و مرجوحیة اختیار أضدادهن و کراهة.
لا سیما الکافرة، فانّ اضطرّ إلى استرضاعها، فلیختر الیهودیة و النصرانیة على المشرکة و المجوسیة، و مع ذلک لا یسلّم الطفل الیهن، و لا یذهبن بالولد إلى بیوتهن، و یمنعها عن شرب الخمر و اکل لحم الخنزیر.
و مثل الکافرة أو اشد کراهة استرضاع الزانیة بلبن الحاصل من الزنا، و المرأة المتولدة من الزنا; فعن الباقر(علیه السلام): لبن الیهودیة و النصرانیة و المجوسیّة أحب إلی من ولد الزنا; و عن الکاظم(علیه السلام): سئل عن إمرأة زنت، هل یصلح أن تسترضع؟ قال: لا یصلح، و لا لبن ابنتها التی ولدت من الزنا.