المعروف بین الأصحاب، قبولها فی حقوق الآدمیین. قال فی الشرایع: و منها ما یثبت بشاهدین، و بشاهد و امرأتین، و بشاهد و یمین، و هو الدیون و الأموال کالقرض و القراض و الغصب، و عقود المعاوضات کالبیع و الصرف و السلم و الصلح و الاجارة والمساقات و الرهن و الوصیة له و الجنایة التی توجب الدیة.(1)
و ذکر صاحب الجواهر فی ذیل کلامه ما نصه: بل الظاهر ثبوت ذلک کله بهما (أی بامرأتین) مع الیمین، وفاقاً للمشهور شهرة عظیمة; بل عن الشیخ فی الخلاف، الإجماع علیه.(2) و من الواضح إذا کان شهادة امرأتین مع الیمین مقبولة، کان شهادتهما مع رجل واحد، بل شهادة أربع نسوة مقبولة، و دعوى أنّه مخالف للإجماع، ممنوع.
و قال العلاّمة فی المختلف: المال سواء کان دینا کالقرض أو عیناً، یثبت بشاهد و امرأتین إجمالا، و کذا بشاهد و یمین، و هل یثبت بشهادة امرأتین و یمین المدعی؟ نصّ فی النهایة و الخلاف و المبسوط. على قبوله; و به قال ابن الجنید... و الوجه ما قاله الشیخ فی النهایة;(3) و خالف ابن ادریس فی السرائر فی الأخیر - أی شهادة امرأتین مع الیمین -.(4)
و کیف کان، یدل علیه قبل کل شىء الآیة الشریفة - و إن کانت فی خصوص الدین - قال الله تعالى: (... وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِّجَالِکُمْ فَإِن لَّمْ یَکُونَا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ...);(5) و لکنه فی خصوص الدین، و فیما لا توجد فیها شهادة الرجال، و لکن الأخیر محمول على الغالب، و ذیل الآیة تدل على قبول شهادتهن فی البیوع أیضاً، و هو قوله تعالى: (وَ أَشْهِدُوا إِذَا تَبَایَعْتُمْ)، بقرینة صدر الآیة.
و تدل علیه أیضاً أخبار کثیرة، بعضها واردة فی قبول شهادتهن مع رجل واحد، و بعضها فی قبول شهادتهما مع الیمین، و بعضها فی قبول شهادة النساء بدون الرجال مطلقا; فهى طوائف ثلاثة.
الاولى، ما یدل على قبول شهادتهن مطلقا ولو بدون الرجل; منها:
1- ما عن الحلبی، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) أجاز شهادة النساء فی الدین و لیس معهن رجل.(6)
و هذه روایة معتبرة تدل على قبول شهادتهن ولو بدون الرجال، و مقتضى القاعدة أن تکون حینئذ اربع نسوة.
ومثله روایة اُخرى له(43/24)، و الظاهر أنّهما روایة واحدة بلا زیادة و لا نقصان.
2- ما عن السکونی، عن جعفر، عن أبیه عن علیّ(علیهم السلام) أنّه کان یقول: شهادة النساء لا تجوز فی طلاق و لا نکاح ولا فی حدود إلاّ فی الدیون و ما لا یستطیع الرجال النظر إلیه.(7)
و هذه أیضاً مطلقة بل بقرینة ذیلها دلیل على قبول شهادتهن وحدهن.
الثانیة، ما یدل على قبولها منضمة إلى الرجال; منها:
1- ما عن الحلبی، عن أبی عبدالله(علیه السلام) سئل عن شهادة النساء فی النکاح - إلى أن قال - قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجل فی الدین؟ قال: نعم.(8)
و هذه مع اعتبار سنده، واردة فی خصوص المنضمات.
2- ما عن داود بن الحصین، عن أبی عبدالله(علیه السلام) - إلى أن قال - فقلت: أنی ذکر الله قوله: (فرجل و امرأتان)؟ فقال: ذلک فی الدین إذا لم یکن رجلان، فرجل و امرأتان، و رجل واحد و یمین المدعى، إذا لم یکون امرأتان، قضى بذلک رسول الله(صلى الله علیه وآله) و أمیرالمؤمنین(علیه السلام).(9)
الثالثة، ما یدل على کفایة شهادة المرأتین مع الیمین; منها:
1- ما عن منصور بن حازم، أنّ أبالحسن موسى بن جعفر(علیه السلام) قال: إذا شهد لطالب الحق امرأتان ویمینه فهو جائز.(10)
2- ما عن منصور بن حازم، قال حدثنى الثقة، عن أبی الحسن(علیه السلام) قال: إذا شهد لصاحب الحق امرأتان و یمینه فهو جایز.(11)
و هاتان الروایتان صحیحتان، ولا یبعد أن یکون منصور بن حازم سمع هذا الحدیث مرتین مرّة بلا واسطة و مرّة مع الواسطة.
نعم، یمکن أن یقال أنّهما روایة واحدة، و انّ الصحیح کونها مرسلة; و أمّا المسندة فهى من خطاء الراوی عن منصور بن حازم، أو عن خطاء النساخ.
و لکن فرض قبول ذلک (مع کونه بعیداً)، لا یضر بالمطلوب بعد تصریح منصور بن حازم بأن من روى عنه کان ثقة.
أضف إلى ذلک، ما عرفت من عمل المشهور بها و الفتوى بمضمونها.
و جدیر بالذکر، أنّ قوله: طالب الحق; الوارد فی الاولى منهما، عام کما أنّ الأخیرة أیضاً مطلقة تشمل جمیع الحقوق.
و من المعلوم، أنّه إذا کانت شهادتهما مع الیمین مقبولة، کان شهادة أربع نسوة أیضاً مقبولة بطریق اولى.
و تحصل من جمیع هذه الروایات الواردة فی الطوائف الثلاثة، بعد ضمّ بعضها إلى بعض، أنّ شهادتهن مقبولة فی الأموال و الحقوق منضمات و منفردات وشهادة امرأتین مع الیمین.
إن قلت: الآیة الشریفة واردة فی خصوص الدین، و کذلک غیر واحد من روایات الباب، فاین الدلیل على العموم؟
قلت: أوّلاً، ذیل الایة و هو قوله تعالى: (و أشهدوا إذا تبایعتم) الناظر إلى صدر الایة، دلیل على قبول شهادتهما مع رجل واحد فی البیوع، و یمکن إلغاء الخصوصیة عن البیع، بالنسبة إلى الإجارة والمساقاة والمضاربة و ما أشبهها، عرفاً و إن لم یشمل مثل الوصیة و الدیات و شبهها.
و ثانیاً، روایتا منصور بن حازم دلیل على قبول شهادتهن فی الحقوق و الاموال، فتکونان قرینة على سائر روایات الباب.
و ثالثاً، یمکن تایید العموم أیضاً بما ورد فی قبول شهادتهن فی الوصیة، مثل روایة یحیى بن خالد الصیرفی.(12)
1. المحقق الحلّى، فی شرایع الاسلام 4/921.
2. المحقق النجفى، فی جواهرالکلام 41/167.
3. العلامة الحلّى، فی مختلف الشیعة 8/477، (716 ط.ق).
4. ابن ادریس الحلّى، فی السرائر 2/116.
5. البقرة/282.
6. الوسائل 18/262، الحدیث 20، الباب 24 من أبواب الشهادات. و مثله 43/24 و الظاهر أنّهما واحدة.
7. الوسائل 18/267، الحدیث 42، الباب 24 من أبواب الشهادات.
8. الوسائل 18/258، الحدیث 2، الباب 24 من أبواب الشهادات.
9. الوسائل 18/265، الحدیث 35، الباب 24 من أبواب الشهادات.
10. الوسائل 18/197، الحدیث 1، الباب 15 من أبواب کیفیة الحکم.
11. الوسائل 18/198، الحدیث 4، الباب 15 من أبواب کیفیة الحکم.
12. الوسائل 18/268، الحدیث 47 و 48، الباب 24 من أبواب الشهادات.
