أما الصورة الثانیة، أی اعتبار حلیة الوطىء و عدم نشر الحرمة بالزنا، فقد إدعى فی الجواهر الإجماع بقسمیه علیه.(1)
قال: لا ینشر لو کان عن وطىء زنا، و لو مع الولادة بالإجماع.
و لکن حکى عن ابن الجنید: أنّها لو أرضعت بلبن حمل من زنا، حرمت و أهلها على المرتضع، و کان تجنبه من أهل الزانی احوط و أولى.(2)
و قال النراقی(قدس سره) فی المستند: فلا یحصل الرضاع المحرم للنکاح، باللبن الحادث من الزنا إجماعاً محققاً و محکیاً فی السرائر و التذکرة، و شرحى القواعد للمحقق الثانی و الهندی، و شرح النافع للسید، و المفاتیح و شرحه، و ظاهر المسالک و الکفایة و غیر ذلک.(3)
و وافقنا فی ذلک الشافعی و بعض الحنابلة; و قال بعضهم ینشر الحرمة بینهما.(4)
و یستدل له باُمور:
1- أصالة الحلیة، و لکنها مدفوعة بقاعدة یحرم من الرضاع.
2- بما فی الدعائم، عن علی(علیه السلام) انه قال: لبن الحرام لا یحرم الحلال، و مثل ذلک ارضعت بلبن زوجها، ثم أرضعت بلبن فجور. قال: و من أرضع من فجور بلبن صبیة، لم یحرم نکاحها، لأن اللبن الحرام لا یحرم الحلال.(5)
و سند الروایة و إن کان ضعیفاً، إلاّ أنّه مجبور بعمل الأصحاب.
3- هذا مضافاً إلى انصراف ادلة الحرمة، مثل قوله تعالى: (و اُمهاتکم اللاتی أرضعنکم...)، عن محل الکلام; و کذا قوله(صلى الله علیه وآله): یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب; فانّ الحلال هو الغالب جداً، و الغلبة توجب الانصراف عند الشک، کما ذکرنا فی محله.
4- و ربما یتمسک له بما مرّ من اعتبار لبن الفحل فی الروایات السابقة، أو التعبیر بامرأتک الظاهر فی الزوجة المحللة شرعاً; و لکن الانصاف - بعد ما عرفت أنّ روایات لبن الفحل ناظرة إلى الشرط الرابع و هو اتحاد الفحل لا الشرط الأول، فانّها لیست فی مقام البیان من هذه الجهة - عدم جواز الاستدلال بها. و لکن فیما عرفت أولا غنى و کفایة.
و استدل لقول ابن الجنید بأمرین:
1- قاعدة یحرم من الرضاع; و لکن روایة الدعائم أخص منها، فلابدّ من تخصیصها بها.
2- قد یقال بإمکان القول بنشر الحرمة من لبن الفجور، فان المدار فی نشر الحرمة أمر تکوینی و هو اشتداد العظم و إنبات اللحم، و لا فرق فی ذلک بین لبن الفجور و غیر ذلک.
و یرد علیه أنّه منقوض بفروع کثیرة، مثل مسألة الدرّ; فان اشتداد العظم و إنبات اللحم بلبن الدرّ من ناحیة الاُم حاصل، فلم لا تنشر الحرمة بنص الروایة و فتوى الأصحاب؟
کذلک عند عدم اتحاد الفحل، فان الحکمة من ناحیة الاُم حاصل، و هکذا فی اللبن بعد الحولین إلى غیر ذلک; فیعلم منها أنّ ما ذکر، حکمة لا علّة.
و من هنا یظهر فساد ما حکى عن ابن الجنید، و العجب أنّه فرق بین حکم الزانیة و الزانی هنا، مع أنّه لو لم تعتبر حلیة الوطىء، لم یکن بینهما فرق; لأنّ الولد مستند إلیهما عرفاً.