الصعاب والمشاقّ سنّة إلهیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 1
سبب النّزولسورة البقرة / الآیة 215

یبدو من الآیة الکریمة أنّ جماعة من المسلمین کانت ترى أنّ إظهار الإیمان بالله وحده کاف لدخولهم الجنّة، ولذلک لم یوطّنوا أنفسهم على تحمّل الصعاب والمشاقّ ظانّین أنه سبحانه هو الکفیل بإصلاح اُمورهم ودفع شرّ الأعداء عنهم.

الآیة تردّ على هذا الفهم الخاطىء وتشیر إلى سنّة إلهیّة دائمة فی الحیاة، هی أنّ المؤمنین ینبغی أن یعدّوا أنفسهم لمواجهة المشاقّ والتحدّیات على طریق الإیمان لیکون ذلک اختباراً لصدق إیمانهم، ومثل هذا الاختبار قانون عامّ سرى على کلّ الاُمم السابقة.

 

ویتحدّث القرآن الکریم عن بنی إسرائیل ـ مثلاً ـ وما واجهوه من مصاعب بعد خروجهم من مصر ونجاتهم من التسلّط الفرعونی، خاصّة حین حوصِروا بین البحر وجیش فرعون، فقد مرّوا بلحظات عصیبة فقدَ فیها بعضهم نفسه، لکن لطف الله شملهم فی تلک اللحظات ونصرهم على أعدائهم.

وهذا الذی عرضه القرآن عن بنی إسرائیل عامّ لکلّ (الذین خلوا من قبلکم) وهو سنّة إلهیّة تستهدف تکامل الجماعة المؤمنة وتربیتها، فکلّ الاُمم ینبغی أن تمرّ فی أفران الأحداث القاسیة لتخلص من الشوائب کما یخلص الحدید فی الفرن لیتحوّل إلى فولاذ أکثر مقاومةً وأصلب عوداً. ثمّ لیتبیّن من خلال هذا الاختبار من هو اللائق، ولیسقط غیر اللائق ویخرج من الساحة الاجتماعیة.

المسألة الاُخرى التی ینبغی التأکید علیها فی تفسیر هذه الآیة: أنّ الجماعة المؤمنة وعلى رأسها النبیّ(صلى الله علیه وآله) ترفع صوتها حین تهجم علیها الشدائد بالقول (متى نصر الله)؟!، وواضح أنّ هذا التعبیر لیس اعتراضاً على المشیئة الإلهیة، بل هو نوع من الطلب والدعاء.

فتقول الآیة: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا یأتکم مثل الّذین خلوا من قبلکم مسّتهم البأساء والضرّاء...).

وبما أنّهم کانوا فی غایة الإستقامة والصبر مقابل تلک الحوادث والمصائب، وکانوا فی غایة التوکّل وتفویض الأمر إلى اللّطف الإلهی، فلذلک تعقّب الآیة (ألا أنّ نصر الله قریب).

(بأساء) من مادّة (بأس) وکما یقول صاحب معجم مقاییس اللّغة أنّها فی الأصل تعنی الشّدة وأمثالها، وتُطلق على کلّ نوع من العذاب والمشّقة، ویُطلق على الأشخاص الشّجعان الّذین یخوضون الحرب بضراوة وشدّة (بئیس) أو (ذو البأس).

وکلمة (ضرّاء) کما یقول الرّاغب فی مفرداته هی النقطة المقابلة للسرّاء، وهی ما یُسرّ الإنسان ویجلب له النفع، فعلى هذا الأساس تعنی کلمة ضرّاء کلّ ضرر یُصیب الإنسان، سواءً فی المال أو العرض أو النفس وأمثال ذلک.

جملة (متى نصر الله) قیلت من قبل النّبی(صلى الله علیه وآله) والمؤمنین حینما کانوا فی منتهى الشّدة والمحنة، وواضح أنّ هذا التعبیر لیس اعتراضاً على المشیئة الإلهیّة، بل هو نوع من الطلّب والدعاء، ولذلک تبعته البشارة بالإمداد الإلهی.

وما ذکره بعض المفسرین من احتمال أن تکون جملة (متى نصر الله) قیلت من طرف

جماعة من المؤمنین، وجملة (ألا إنّ نصر الله قریب) قیلت من قبل النّبی(صلى الله علیه وآله) بعید جدّاً.

وعلى أیّة حال، فإنّ الآیة أعلاه تحکی أحد السنن الالهیّة فی الأقوام البشریّة جمیعاً، وتنذر المؤمنین فی جمیع الأزمنة والأعصار أنّهم ینبغی علیهم لنیل النّصر والتوفیق والمواهب الاُخرویّة أن یتقبّلوا الصّعوبات والمشاکل ویبذلوا التضحیّات فی هذا السبیل، وفی الحقیقة إنّ هذه المشاکل والصّعوبات ما هی إلاّ امتحان وتربیة للمؤمنین ولتمییز المؤمن الحقیقی عن المتظاهر بالإیمان.

وعبارة (الّذین خلوا من قبلکم) تقول للمسلمین: أنّکم لستم الوحیدین فی هذا الطریق الّذین ابتلیتم بالمصائب من قِبَل الأعداء، بل إنّ الأقوام السّالفة ابتُلوا أیضاً بهذه الشدائد والمصائب إلى درجة أنّهم مسّتهم البأساء والضرّاء حتى استغاثوا منها.

وأساساً فإنّ رمز التکامل للبشریّة أن یُحاط الأفراد والمجتمعات فی دائرة البلاء والشّدائد حتى یکونوا کالفولاد الخالص وتتفتّح قابلیّاتهم الداخلیّة وملکاتهم النفسانیّة ویشتد إیمانهم بالله تعالى، ویتمیّز کذلک المؤمنون والصّابرون عن الأشخاص الإنتهازیّین، ونختتم هذا الکلام بالحدیث النبوی الشریف: یقول (الخبّاب ابن الأرت) الّذی کان من المجاهدین فی صدر الإسلام: قال قلنا یا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا.

فقال (صلى الله علیه وآله): «إن من کان قبلکم کان أحدهم یوضع المنشار على مفرق رأسه فیخلص إلى قدمیه لا یصرفه ذلک عن دینه ویمشط بأمشاط الحدید ما بین لحمه وعظمه لا یصرفه ذلک عن دینه;

ثمّ قال: والله لیتمنّ هذا الأمر حتى یسیر الراکب من صنعاء إلى حضرموت لا یخاف إلاّ الله والذئب على غنمه وکلّکم یستعجلون» (1) .


1. تفسیر الدرّالمنثور، ج 1، ص 243; والتفسیر الکبیر، ج 6، ص 20; وتفاسیر اخرى، ذیل الآیة مورد البحث.

 

سبب النّزولسورة البقرة / الآیة 215
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma