بمناسبة ذکر حجج الیهود فی الآیات السابقة، تتحدث الآیة عن حجج مجموعة اُخرى من المعاندین ویبدو أنّهم المشرکون العرب فتقول: (وقال الَّذین لا یعلمون لولا یکلِّمنا الله أوتأتینا آیةٌ).
هؤلاء الجاهلون ـ أو الذین لا یعلمون ـ بتعبیر الآیة، طرحوا طلبین بعیدین عن المنطق، طلبوا:
1ـ أن یکلمهم الله: (لولا یکلِّمنا الله).
2ـ أن تنزل علیهم آیة: (أو تأتینا آیةٌ).
والقرآن یجیب على هذه الطلبات التافهة قائلا: (کذلک قال الَّذین من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بیَّنَّا الاْیات لقوْم یوقنون).
لو أنّ هؤلاء یستهدفون حقاً إدراک الحقیقة، ففی هذه الآیات النازلة على رسول الله(صلى الله علیه وآله)دلالة واضحة بینة على صدق أقواله، فما الداعی إلى نزول آیة مستقلة على کل واحد من الأفراد؟! وما معنى الإصرار على أن یکلمهم الله مباشرة؟!
مثل هذا الطلب تذکره الآیة 52 من سورة المدثر: (بل یرید کلُّ امریء منهم أن یؤتى صحفاً منشَّرةً).
مثل هذا الطلب لا یمکن أن یتحقق، لأن تحققه ـ إضافة إلى عدم ضرورته ـ مخالف لحکمة الباری سبحانه، لما یلی:
أوّلا: إثبات صدق الأنبیاء للناس کافة أمر ممکن عن طریق الآیات التی تنزل علیهم.
ثانیاً: لایمکن للآیات والمعاجز أن تنزل على أی فرد من الأفراد، فذلک یتطلب نوعاً من اللیاقة والإستعداد والطّهارة الرّوحیة. فالأسلاک الکهربائیة تتحمل من التیّار ما یتناسب مع ضخامتها، الأسلاک الرقیقة لا تتحمل التّیار العالی، ولایمکن أن تتساوى بالأسلاک الضخمة القادرة على توصیل التّیارات العالیة . والمهندس یفرّق بین الأسلاک التی تستقبل التّیارات العالیة من المولدات مباشرة، والأسلاک التی تنقل التیّار الواطیء داخل البیوت.
الآیة التالیة تخاطب النبی(صلى الله علیه وآله)، وتبین موقفه من الطلبات المذکورة وتقول: (إنَّا أرسلناک بالحقِّ بشیراً ونذیر).
فمسؤولیة الرّسول بیان الأحکام الإلهیّة، وتقدیم المعاجز، وتوضیح الحقائق، وهذه الدعوة ینبغی أن تقترن بتبشیر المهتدین وإنذار العاصین وهذه مسؤولیتک أیّها الرّسول، وأمّا الفئة التی لا تذعن للحق بعد کل هذه الآیات فانت غیر مسؤول عنها: (ولا تسئل عن أصحاب الجحیم).
