ذکرنا أن بین «الشفاعة» فی مفهومها المنحرف و«الشفاعة» فی مفهومها الإسلامی الصحیح بوناً شاسعاً، المفهوم الأوّل یقوم على أساس تغییر وجهة نظر «المستشفَع»، والآخر یدور حول محور التغییرات المختلفة فی وضع المستشفع له.
واضح أنّ الشفاعة بمفهومها الأول مرفوضة لأنّها تقتل روح السعی والمثابرة فی النفوس... وتشجع على ارتکاب الذنوب... وتعتبر انعکاساً عن المجتمعات المتخلّفة والإقطاعیة... وتتضمّن أکثر من ذلک نوعاً من الشرک والانحراف عن خط التوحید.
لا شک أنّ الإنسان المسلم یبتعد عن خط التوحید لو اعتقد بإمکان تقدیم «وساطة» إلى اللّه کما تقدم «الوساطات»، إلى أصحاب النفوذ فی هذه الدنیا، لأنّ مثل هذا الفرد قد اعتقد بشکل غیر مباشر بإمکان تغییر علم الله! وبإمکان خفاء أمر من اُمور «المستشفِع» على الله! أو بوجود مصدر یمکن أن یطفىء الإنسان به غضب الله أو یکسب به ودّه ورضاه!، أو بحاجة الله إلى مکانة بعض عباده وبسبب احتیاجه الیهم یقبل شفاعتهم. أو أنّه تعالى یقبل شفاعتهم بسبب خوفه من نفوذهم!! تعالى الله عن ذلک علواً کبیراً.
کل هذه المعانی تبعدنا من أصل التوحید وتؤدّی بنا إلى السقوط فی وادی الشرک... إنها المفهوم السلبی للشفاعة والسائد لدى العرف العام.
أمّا الشفاعة بمعناها الصحیح الذی ذکرناه، فلا تنطوی على هذه العیوب، بل إنّها أکثر من ذلک تصلح العیوب، وتعمّق النقاط الإیجابیة فی الکائن البشری.
هذا النوع من الشفاعة لا یشجع على إرتکاب الذنب، بل یدفع إلى ترک الذنوب.
لا یدعو إلى التقاعس والتماهل، بل یبعث فی الإنسان روح الأمل التی یستتبعها عادة تصعید الإرادة لتلافی أخطاء الماضی.
هذه الشفاعة لا ترتبط بالمجتمعات المتخلّفة، بل هی وسیلة تربویة فعّالة لإصلاح المجرمین والمذنبین والمعتدین.
لیست هذه الشفاعة بشرک، بل هی عین التوحید والتأکید على التوجه إلى الله والاستمداد من صفاته وإذنه وأمره.
ولمزید من التوضیح نتحدث أکثر عن مسألة الشفاعة والتوحید.
