الطّیبات والخبائث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 1
سورة البقرة / الآیة 172 ـ 173 1ـ فلسفة بعض المحرّمات

القرآن ینهج اُسلوب التأکید والتکرار بأشکال مختلفة فی معالجته للانحرافات المزمنة، وفی هذه الآیات عودة إلى مسألة تحریم المشرکین فی الجاهلیة لبعض الأطعمة دونما دلیل، مع فارق هو أنّ الخطاب یتّجه فی هذه الآیات إلى المؤمنین، بینما خاطبت الآیات السابقة جمیع النّاس.

تقول الآیة: (یا أیُّها الَّذین آمنوا کلوا من طیِّبات ما رزقناکم واشکروا لله إن کنتم إیَّاه تعبدون).

هذه النعم الطیّبة المحللة المتناسبة مع الفطرة الإنسانیة السلیمة قد خلقت لکم، فلم لا تستفیدون منها؟!

هذه الأطعمة تمنحکم القوّة على أداء مهامّکم، وتذکّرکم بشکر خالقکم وعبادته.

لو قارنا هذه الآیة بقوله تعالى: (یا أیُّها النَّاس کلوا ممَّا فی الاْرْض)(1) لفهمنا نکتتین:

تقول الآیة هنا: (من طیِّبات ما رزقناکم)، بینما تقول تلک (ممَّا فی الاْرْض). ولعل هذا الاختلاف یشیر إلى أن النعم الطیبة مخلوقة أصلا للمؤمنین، وغیر المؤمنین یتناولون هذه الأطعمة ببرکة المؤمنین، کالماء الذی یستعمله البستانی لسقی أشجاره وأغراسه، بینما تستفید من هذا الماء أیضاً الأعشاب والنباتات الطفیلیة.

والاُخرى، أن الآیة تقول لعامة النّاس: (کلوا... ولا تتَّبعوا خطوات الشَّیطان) وهذه الآیة تخاطب المؤمنین وتقول: (کلوا...واشکروا لله) أی لا تکتفی هذه الآیة بالطلب من المؤمنین أن لا یسیئوا الاستفادة من هذه النعم، بل تحثّهم على حسن الاستفادة منها.

فالمتوقع من النّاس العادیین أن لایذنبوا فی استهلاک هذه النعم، بینما المتوقع من المؤمنین أن یستثمروها فی أفضل طریق.

وقد یثیر تکرار التأکید فی القرآن الکریم على الاستفادة من الأطعمة الطیّبة تساؤلا عن سبب هذا التکرار. أمّا لو عدنا إلى تاریخ العصر الجاهلی لفهمنا السبب، فالجاهلیون قد حرّموا على أنفسهم بعض الأطعمة دونما دلیل، وتناقلت أجیالهم هذا التحریم وکأنّه وحی منزل، ونسبوه أحیاناً بصراحة إلى الله، والقرآن استهدف إقتلاع جذور هذه الأفکار الخرافیة من أذهانهم.

ثم إنّ الترکیز على کلمة «طیّب» یتضمن أیضاً دعوة إلى اجتناب ما خبث من الأطعمة، کالمیتة والوحوش والحشرات، وکالمسکرات السائدة بین النّاس بشدّة آنذاک.

فی تفسیر الآیة 32 من سورة الأعراف تحدثنا بالتفصیل عن استثمار المؤمنین الأطعمة الطیبة والزینة المعقولة.

الآیة التالیة تبین بعض ألوان الأطعمة المحرمة، وتقول: (إنَّما حرَّم علیکم المیتة والدَّمو لحم الخنزیر وما اهلَّ به لغیر الله).

تذکر الآیة ثلاثة أنواع من اللحوم المحرّمة إضافة إلى الدم، وهی من أکثر المحرمات انتشاراً فی ذلک العصر، فی بعضها خبث ظاهر لا یخفى على أحد کالمیتة والدم ولحم الخنزیر، وفی بعضها خبث معنوی کالتی ذبحت من أجل الأصنام.

الحصر فی الآیة بکلمة «إنما» هو «حصر إضافی» لا یستهدف منه بیان جمیع المحرمات، بل نفی ما ابتدعوه بشأن بعض اللحوم المحللة. بعبارة اُخرى، هؤلاء الجاهلیون حرّموا بعض الأطعمة الطیّبة استناداً إلى ما توارثوه من خرافات وأوهام، لکنهم بدلا من ذلک کانوا یعمدون عند قلة الطعام إلى أکل المیتة أو الخنزیر أو الدم.

القرآن یقول لهؤلاء: إنّ هذه هی الأطعمة المحرمة لا تلک (وهذا هو معنى الحصر الإضافی).

ولمّا کانت بعض الضرورات تدفع الإنسان إلى تناول الأطعمة المحرمة حفظاً لحیاته، فقد استثنت الآیة هذه الحالة وقالت: (فمن اضطرَّ غیر باغ ولا عاد فلا إثم علیه).

ومن أجل أن تقطع الآیة الطریق أمام من یتذرع بالإضطرار، أکّدت على کون المضطر «غیر باغ» و«لا عاد». والباغی هو الطالب، والمراد هنا طالب اللذة والعادی هو المتجاوز للحد، أی المتجاوز حدّ الضرورة، فالرخصة هنا إذن لمن لا یرید اللذة فی تناول هذه الأطعمة، ولا یتجاوز حد الضرورة اللازمة لنجاته من الموت.

ولأنّ معنى البغی الظلم أیضاً ذهب بعض المفسرین إلى أنّ الرخصة ممنوحة لاُولئک الذین یضطرون خلال سفر محلل، لا خلال سفر المعصیة.

فالمسافرون لهدف غیر مشروع قد یجب علیهم تناول الأطعمة المحرمة لحفظ النفس من التلف، إلاّ أنّ هذا العمل یکتب فی صحیفة أعماله من الذنوب.

بعبارة اُخرى: هؤلاء العاصون قد یجب علیهم عقلا فی أسفارهم المحرمة أنّ یتناولوا شیئاً من الأطعمة المحرمة لدى الاضطرار، لکن هذا الوجوب لا یرفع عنهم المسؤولیة، لأنّهم أجبروا على ذلک وهم على مسیر خاطیء.

وهناک روایات تذکر أن الآیة تشیر إلى السائرین على طریق الخروج على إمام المسلمین،(2) فهؤلاء مستثنون من هذه الرخصة، وهذه الروایات تشیر فی الواقع إلى نفس الحقیقة المذکورة، وهکذا الأمر فی أحکام صلاة المسافر، فالمسافر یقصر الصلاة فی السفر إلاّ ما کان سفراً حراماً، ولذلک یستدلّ بعبارة (غیر باغ ولا عاد) للحکمین معاً، حکم صلاة المسافر، وحکم ضرورة تناول اللحوم المحرّمة(3) وفی الختام تقول الآیة: (إنّ الله غفورٌ رحیمٌ)فإنّ الله الذی حرّم تلک الأطعمة أباح تناولها فی موارد الضرورة برحمته الخاصّة.


1.البقرة، 168.
2.أصول الکافی، ج 6، ص 265; ووسائل الشیعة، ج 24، ص 216.
3. روی عن الإمام الصادق(علیه السلام): «أنَّ (الباغی) هُوَ الذّاهِبُ لِلصَّیْدِ عَلى سَبیلِ التَّنزَّهِ، وَ(الْعَادی) هُوَ السَّارِقُ، وَهَذانِ مُسْتَثْنَیَانِ مِنْ رُخْصَةِ أکْلِ الْمِیْتَةِ وَقَصْرِ الصَّلاَةِ»،(وسائل الشیعة، ج 5، ص 509; وأصول الکافی، ج 3، ص 438).

 

سورة البقرة / الآیة 172 ـ 173 1ـ فلسفة بعض المحرّمات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma