ذکرنا أنّ بیت المقدس کان القبلة الاُولى المؤقتة للمسلمین. والرّسول(صلى الله علیه وآله) کان ینتظر الأمر الإلهی بتغییر القبلة، خاصّة وأنّ الیهود استغلّوا مسألة اشتراک المسلمین معهم فی القبلة، لیوجهوا سهام إعلامهم المضاد للمجموعة المسلمة، مرددین أن المسلمین لا استقلال لهم، وأنّهم لا یعرفون معنى القبلة وإنّما اقتبسوه منّا، وأن قبولهم قبلتنا یعنی اعترافهم بدیننا! وأمثال هذه الأقاویل.
الآیة تشیر إلى هذه المسألة وتقول:
(قد نرى تقلُّب وجهک فی السَّماء فلنولّینَّک قبلةً ترضاها فولّ وجهک شطر المسجد الحرام وحیث ما کنتم فولُّوا وجوهکم شطره).
ذکرت الروایة ـ کما أشرنا من قبل - أنّ هذا الأمر الإلهی نزل فی لحظة حساسة ملفتة للأنظار، حین کان الرّسول والمسلمون یؤدّون صلاة الظهر. فأخذ جبرائیل بذراع الرّسول(صلى الله علیه وآله) وأدار وجهه نحو الکعبة،(1) وتذکر الروایة أنّ صفوف المسلمین تغیّرت على أثر ذلک، وترک النساء مکانهنّ للرجال وبالعکس.(2) (کان اتجاه بیت المقدس نحو الشمال تقریباً، بینما کان اتجاه الکعبة نحو الجنوب).
من المفید أن نذکر أنّ تغییر القبلة من علامات نبىّ الإسلام المذکورة فی الکتب السابقة، فقد کان أهل الکتاب على علم بأنّ النبی المبعوث «یصلّی إلى القبلتین».(3)
لذلک تضیف الآیة: (وإنَّ الَّذین اوتوا الکتاب لیعلمون أنَّه الحقُّ من ربِّهم).
أضف إلى ذلک أنّ دلائل نبوّة رسول الإسلام، تحرره من التأثر بعادات بیئته الاجتماعیة، وترکه الکعبة التی کانت موضع تقدیس العرب، وإتّجاهه نحو قبلة أقلّیة محدودة.
ثم تقول الآیة: (وما الله بغافل عمَّا یعملون).
فهؤلاء الذین یکتمون ما جاء فی کتبهم بشأن تغییر قبلة نبىّ الإسلام، ویستغلّون هذه الحادثة لإثارة ضجة بوجه المسلمین، بدل أن یتّخذوها دلیلا على صدق دعوى النبی، سیلاقون جزاء أعمالهم، والله لیس بغافل عن أعمالهم ونیّاتهم.
1. مستدرک الوسائل، ج 3، ص 170 و171.
2. من لایحضره الفقیه، ج 1، ص 274 و275.
3. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
