الآیة المذکورة أعلاه، وإن تحدثت عن کل إرتباط أمر الله به أن یوصل، إلاّ أنّ الإرتباط الرحمی دون شک أحد مصادیقها البارزة.
لقد أعار الإسلام اهتماماً بالغاً بصلة الرحم وبالتودّد إلى الأهل والأقارب، ونهى بشدّة عن قطع الإرتباط بالرحم.
رسول الله (صلى الله علیه وآله) یصوّر أهمیة صلة الرحم بقوله: «صِلَةُ الرَّحِمِ تَعْمُرُ الدِّیارَ وَتَزِیدُ فِی الأَعْمَارِ، وَإنْ کَانَ أَهْلُهَا غَیْرَ أَخْیَارِ» (1) .
وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (علیه السلام) قال: «صِلْ رَحِمَکَ وَلَوْ بِشَرْبَةِ مَاء، وَأَفْضَلُ مَا یُوصَلُ بِهِ الرَّحِمُ کَفُّ الأَذى عَنْهَا» (2) .
الإمام علی بن الحسین السّجاد (علیه السلام) یحذّر ولده من صحبة خمس مجموعات، إحداها قطاع الرحم، ویقول:«... وَإیَّاکَ وَمُصَاحَبَةً الْقَاطِعِ لِرَحِمِهِ فَإنّی وَجَدْتُهُ مَلْعُوناً فی کِتَابِ اللهِ» (3).
ویقول سبحانه: (فهل عسیتم إن تولَّیتم أن تفسدوا فی الأرض وتقطّعوا أرحامکم * اولئک الَّذین لعنهم الله ) (4) .
السبب فی کل هذا التأکید الإسلامی على الرحم هو أنّ عملیة إصلاح المجتمع وتقویة بنیته وصیانة مسیرة تکامله وعظمته فی الحقول المادیة والمعنویة، تفرض البدء بتقویة اللَّبنات الأساسیة التی یتکون منها البناء الاجتماعی، وعند استحکام اللَّبنات وتقویتها یتم إصلاح المجتمع تلقائیّاً.
الإسلام مارس هذه العملیة على النحو الأکمل فی بناء المجتمع الإسلامی القوی الشامخ، وأمر بإصلاح الوحدات الاجتماعیة، والکائن الإنسانی لا یأبى عادة أن ینصاع إلى مثل هذه الأوامر اللازمة لتقویة إرتباط أفراد الاُسرة، لاشتراک هؤلاء الأفراد فی الرحم والدم.
وواضح أنّ المجتمع یزداد قوةً وعظمةً کلّما ازداد التماسک والتعاون والتعاضد فی الوحدات الاجتماعیة الصغیرة المتمثلة بالاُسرة، وإلى هذه الحقیقة قد یشیر الحدیث الشریف: «صلة الرحم تعمر الدیار». (5)