مرّت بنا فی الآیات السابقة قصّة خلافة آدم فی الأرض، وموقف الملائکة منه، ثم نسیانه العهد الإلهی وهبوطه إلى الأرض، وبعد ذلک توبته.
ومن أحداث قصّة آدم (علیه السلام)، اتضح أن الساحة الکونیة تنطوی دوماً على قوتین: قوّة الحق وقوّة الباطل، وهاتان القوتان متقابلتان ومتصارعتان، ومن اتبع الشیطان فی هذا الصراع فقد اختار طریق الباطل، ومصیره الإبتعاد عن الجنّة والسّعادة، ومعاناة المصائب والآلام، ومن ثمّ الندم، ومن التزم بأوامر الله ونواهیه وتغلب على وساوس الشیطان وأتباعه، فقد سار على طریق الحق، وابتعد عن نکد العیش وضنکه وآلامه.
لما کانت قصّة بنی إسرائیل ابتداءً من تحررهم من السیطرة الفرعونیة واستخلافهم فی الأرض، ومروراً بنسیان العهد الإلهی، وانتهاءً بسقوطهم فی حضیض الانحراف والعذاب والمشقة، تشبه إلى حدّ کبیر قصة آدم، بل هی فرع من ذلک الأصل العام، فإنّ الله سبحانه فی آیة بحثنا وعشرات الآیات الاُخرى التالیة، بیّن مقاطع من حیاة بنی إسرائیل ومصیرهم، لإکمال الدرس التربوی الذی بدأ بقصة آدم.
یوجه القرآن خطابه إلى بنی إسرائیل ویقول: (یا بنی إسرائیل اذکروا نعمتی الَّتی أنعمت علیکم وأوفوا بعهدی اوف بعهدکم وإیَّای فارهبون ).
الأوامر الثلاثة التی تذکرها الآیة الکریمة وهی: تذکّر النعم الإلهیّة، والوفاء بالعهد، والخوف من الله، تشکل المنهج الإلهی الکامل للبشریة.
تذکّر النعم الإلهیّة یحفّز الإنسان للإتجاه نحو معرفة الله سبحانه وشکره. واستشعار العهد الإلهی الذی یستتبع النعم الإلهیّة یدفع الکائن البشری إلى النهوض بمسؤولیاته وواجباته، ثم الخوف من الله وحده ـ دون سواه ـ یمنح الإنسان العزم على تحدّی کل العقبات التی تقف بوجه تحقیق أهدافه والالتزام بعهده، لأن التخوف الموهوم من هذا وذاک أهم موانع الالتزام بالعهد الإلهی، وظاهرة الخوف کانت متغلغلة فی أعماق نفوس بنی إسرائیل نتیجة السیطرة الفرعونیة الطّویلة علیهم.