فی الآیات المذکورة وآیات اُخرى عبّر القرآن عن عملیة سلب حسّ التشخیص والإدراک الواقعی للأفراد بالفعل «ختم»، وأحیاناً بالفعل «طبع» و«ران».
فی اللغة «خَتَمَ» الإناء بمعنى سدّه بالطین أو غیره، وأصلها من وضع الختم على الکتب والأبواب کی لا تُفتح، والختم الیوم مستعمل فی الإستیثاق من الشّیء والمنع منه کختم سندات الأملاک والرسائل السرّیة الهامة.
وهناک شواهد من التاریخ تدلّ على أنّ الملوک وأرباب السلطة کانوا سابقاً یختمون صرر الذهب بخاتمهم الخاص ویبعثون بها إلى المنظورین للإطمئنان على سلامة الصرر وعدم التلاعب فی محتویاتها.
والشائع فی هذا الزمان الختم على الطرود البریدیة أیضاً، وقد استعمل القرآن کلمة «الختم» هنا للتعبیر عن حال الأشخاص المعاندین الذین تراکمت الذنوب والآثام على قلوبهم حتى منعت کلمة الحق من النفوذ إلیها وأمست کالختم لا سبیل إلى فتحه.
و«طبع» بمعنى ختم أیضاً.
أما «ران» فمن «الرین» وهو صدأ یعلو الشیء الجلیّ، واستعمل القرآن هذه الکلمة فی حدیثه عن قلوب الغارقین فی أوحال الفساد والرّذیلة: (کلاّ بل ران على قلوبهم ما کانوا یکسبون ) (1) .
المهم أنّ الإنسان ینبغی أن یکون حذراً لدى صدور الذنب منه، فیسارع إلى غسله بماء التوبة والعمل الصالح، کی لا یتحول إلى صفة ثابتة مختوم علیها فی القلب.
فی حدیث عن الإمام محمّد بن علی الباقر (علیه السلام): «مَا مِنْ عَبْد مُؤْمِن إلاّ وَفی قَلْبِهِ نُکْتَةٌ بَیْضَاءُ، فَإذَا أَذْنَبَ ذَنْباً خَرَجُ فِی تِلْکَ النُّکْتَةِ نُکْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإذَا تَابَ ذَهَبَ ذَلِکَ السَّوَادُ، فَإنْ تَمَادى فی الذُّنُوبِ زَادَ ذَلِکَ السَّوَادُ حَتّى یُغَطِّیَ الْبَیَاضَ، فَإذَا غُطّیَ الْبَیَاضُ لَمْ یَرْجِعْ صَاحِبُهُ إلَى خَیْر أبَدَاً، وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (کلاّ بل ران على قلوبهم ما کانوا یکسبون )» (2) .
1. المطففین، 14.
2. أصول الکافی، ج 2، ص 273، (باب الذنوب، ح 20); ووسائل الشیعة، ج 15، ص 303، ح 20580.
