أسباب النّزول توضّح أنّ الآیة تتحدث عن الیهود والنصارى والمشرکین، مع أنّ الآیات السابقة تتحدث أکثر ما تتحدث عن الیهود وأحیاناً عن النصارى.
على أی حال «الیهود» بوسوستهم بشأن مسألة تغییر القبلة، سعوا إلى أن یتجه المسلمون فی صلاتهم نحو بیت المقدس، لیتفوقوا بذلک على المسلمین، ولیحطوا من مکانة الکعبة(1) .
و«مشرکو مکّة» بمنعهم النبی(صلى الله علیه وآله) والمسلمین زیارة الکعبة سعوا عملیاً فی هدم هذا البناء الإلهی.
و«النصارى» باستیلائهم على بیت المقدس والعبث فیه على ما ذکر ابن عباس سعوا فی تخریبه.
القرآن یقول لهؤلاء جمیعاً ولکل من یسلک طریقاً مشابهاً لهؤلاء: (ومن أظلم ممَّن منع مساجد الله أن یذکر فیها اسمه وسعى فی خرابه).
القرآن الکریم أطلق على مثل هذا العمل اسم «الظلم الکبیر»، وعلى العاملین اسم «أظلم النّاس» وأیّ ظلم أکبر من تخریب قاعدة التوحید، وصدّ النّاس عن ذکر الله؟!
ثم تقول الآیة: (اولئک ما کان لهم أن یدخلوها إلاَّ خائفین).
أی إنّ المسلمین والموحدین ینبغی أن یکونوا على درجة من القوّة والمقاومة بحیث لا یستطیع الظلمة أن یمدوا أیدیهم إلى هذه الأماکن المقدّسة، ولا یستطیعون أن یدخلوها جهرة بدون خوف أو خشیة.
ومن المحتمل أیضاً أنّ الآیة تقول: إنّ الظلمة لن یستطیعوا أبداً أن ینجحوا فی الاستیلاء على هذه المراکز العبادیة، بل إنّهم سوف لا یستطیعون فی المستقبل أن یدخلوا هذه المساجد إلاّ وهم خائفون مذعورون، تماماً کالمصیر الذی لاقاه مشرکو مکّة بشأن المسجد الحرام.
والآیة تبین بعد ذلک العقاب الذی ینتظر هؤلاء الظلمة ممن یرید أن یفصل بین الله وعباده: (لهم فی الدُّنیا خزیٌ ولهم فی الاْخرة عذابٌ عظیمٌ).
1. التفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
