التّخلّی عن غیر صبغة الله

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 1
سورة البقرة / الآیة 138 ـ 141 سورة البقرة / الآیة 142

بعد الدّعوة التی وجهتها الآیات السابقة لإتّباع الأدیان بشأن إنتهاج طریق جمیع الأنبیاء، أول آیة فی بحثنا تأمرهم جمیعاً بترک کل صبغة، أی دین، غیر «صبغة الله»(1).

ثم تضیف الآیة: (ومن أحسن من الله صبغةً)؟! أی لا أحسن من الله صبغة، (ونحن له عابدون) فی إتّباع ملّة إبراهیم التی هی صبغة الله، وقیل المعنى: من نحن له عابدون یجب أن نتّبع صبغته، لا ما صَبَغَنا علیه الآباء والأجداد(2).

وبهذا أمر القرآن بالتخلی عن الصبغات العنصریة والطائفیة والذاتیة وعن کل الصّبغات المفرّقة، والتوجّه نحو صبغة الله.

ذکر المفسرون أنّ النصارى دأبوا على غسل أبنائهم بعد ولادتهم فی ماء أصفر اللون، ویسمونه غسل التعمید، ویجعلون ذلک تطهیراً للمولود من الذنب الذاتی الموروث من آدم!

القرآن یرفض هذا المنطق الخاوی، ویقول: من الأفضل أن تترکوا هذه الصبغات الظاهریة الخرافیة المفرقة، وتصطبغوا بصبغة الله، لتطهر روحکم.

ما أجمل تعبیر «الصبغة» فی هذه الآیة! وما أروع هذه الدعوة إلى الإصطباغ بصبغة الله!

لو حدث ذلک... لو اختارت البشریة صبغة الله... أی صبغة الطهر والتقوى والعدالة والمساواة والاُخوّة... صبغة التوحید والإخلاص... لاستطاعت أن تستأصل جذور الشرک والنفاق والتفرقة... إنّها فی الحقیقة الصبغة التی لا لون بها وتطهر الإنسان من جمیع الألوان.

وعن الإمام الصادق(علیه السلام): أن «صِبْغَةَ اللهِ» هِیَ الاْسْلاَمُ(3)، وهذا إشارة إلى ما ذکرناه.

کان الیهود وغیرهم یحاجّون المسلمین بصور شتّى، کانوا یقولون: إنّ جمیع الأنبیاء مبعوثون منّا، وإن دیننا أقدم الأدیان، وکتابنا أعرق الکتب السماویة.

وکانوا یقولون: إنّ عنصرنا أسمى من عنصر العرب، ونحن المؤهلون لحمل الرسالة لا غیرنا، لأن العرب أهل أوثان.

وکانوا یدّعون أحیاناً أنّهم أبناء الله وأنّ الجنّة لهم لا لغیرهم.

القرآن یردّ على کلّ هذه الأقاویل ویقول: (أتحاجُّوننا فی الله وهو ربُّنا وربکم).

فالله سبحانه لیس ربّ شعب أو قبیلة معینة، إنه ربّ العالمین.

واعلموا أیضاً أن لا امتیاز لأحد على غیره إلاّ بالأعمال، وکل شخص رهن أعماله (ولنا أعمالنا ولکم أعمالکم).

مع فارق، هو إنّ کثیراً منکم یشرکون فی توحیدهم: (ونحن له مخلصون).

الآیة التالیة تجیب على واحد آخر من هذه الإدّعاءات الفارغة وتقول: (أم تقولون إنَّ إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب والاْسْباط کانوا هوداً أوْ نصارى)؟!

ثم تجیب الآیة عن هذا الإدعاء بشکل رائع فتقول: (قل ءأنتم أعلم أم الله)؟!

فالله أعلم أنّهم ما کانوا یهوداً ولا نصارى.

وقد تعلمون أنتم أیضاً أن هؤلاء الأنبیاء أدّوا رسالتهم قبل موسى وعیسى، وإن کنتم لا تعلمون فاطلاق مثل هذه الأقوال بدون علم وتثبیت تهمة وذنب، وکتمان للحقیقة (ومن أظلم ممَّن کتم شهادةً عنده من الله).

اعلموا أنه (وما الله بغافل عمَّا تعلمون).

حین ینتهج الإنسان خط العناد واللجاج فإن إعراضه عن الحقیقة لا حدّ له، ینکر أبسط المسلّمات، ویرفض أوضح الواضحات. والآیة تذکر نموذجاً لذلک فی هذه المجموعة التی بلغ بها العناد واللجاج أن تعتبر أنبیاء الله ـ الذین سبقوا موسى وعیسى من أمثال إبراهیم وإسماعیل وإسحاق ویعقوب ـ من الیهود أو النصارى. وبذلک یکتمون حقیقة واضحة لها إرتباط بإیمان النّاس ومعتقداتهم، ولذلک یصف القرآن هؤلاء الذین یکتمون الحقائق بأنهم أظلم النّاس، لأنّه لا ظلم أکبر من کتمان الحقائق عن النّاس عمداً، وجرّ الآخرین إلى طریق الضلال.

فی آخر آیة من الآیات التی نحن بصددها یقول سبحانه لهؤلاء القوم العنودین الجدلیین: افترضوا أنّ إدّعاءاتکم صحیحة، فهذا لا یعود علیکم بالنفع لأنه (تلک امَّةٌ قد خلت لها ما کسبت ولکم ما کسبتم ولا تسئلون عمَّا کانوا یعملون).

الاُمّة الحیّة ینبغی أن تعتمد على أعمالها لا على ذکریات تاریخها، والإنسان یجب أن یستند إلى فضائله، لا أن یجترّ مفاخر الآباء والأجداد.


1. «صِبْغَةً» منصوبة على أنّها مفعول مطلق لفعل محذوف أی (اصطبغوا) صبغة الله، أو أنّها بدل من «ملّة إبراهیم» فی الآیات المتقدمة، أو مفعول به لفعل محذوف والتقدیر (اتبعوا صبغة الله) والله أعلم!
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
3. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 132; وأصول الکافی، ج 2، ص 14.

 

 

سورة البقرة / الآیة 138 ـ 141 سورة البقرة / الآیة 142
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma