الآیة الاُولى تشیر إلى الآیات والعلامات والدلائل الکافیة الواضحة التی توفرت لدى رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وتؤکّد أنّ المعرضین عن هذه الآیات البینات أدرکوا فی الواقع حقّانیة الدعوة، لکنهم هبّوا للمعارضة مدفوعین بأغراضهم الشخصیة: (ولقد أنزلنا إلیک آیات بیِّنات وما یکفر بها إلاَّ الفاسقون).
التفکیر فی آیات القرآن ینیر الطریق لکل طالب حق منصف، وبمطالعة هذه الآیات یمکن فهم صدق دعوة نبىّ الإسلام(صلى الله علیه وآله)، وعظمة القرآن.
لکن هذه الحقیقة الواضحة لا یفهمها الذین انطفأ نور قلوبهم بسبب الذنوب، من هنا نرى الفاسقین الملوّثین بالخطایا یعرضون عن الإیمان بالرسالة.
ثم یتطرق القرآن إلى صفة مجموعة من الیهود، وهی صفة النکول ونقض العهود والمواثیق، وکأنّها صفة تاریخیة تلازمهم على مرّ العصور (أو کلَّما عاهدوا عهداً نبذه فریقٌ منهم بل أکثرهم لا یؤمنون).
لقد أخذ الله میثاقهم فی جانب الطور أن یعملوا بالتوراة لکنهم نقضوا المیثاق، وأخذ منهم المیثاق أن یؤمنوا بالنّبی الخاتم المذکور عندهم فی التوراة فلم یؤمنوا به.
یهود «بنی النضیر» و«بنی قریضة» عقدوا المیثاق مع النبی لدى هجرته المبارکة إلى المدینة أن لا یتآمروا مع أعدائه، لکنهم نقضوا العهد، وتعاونوا مع مشرکی مکّة فی حرب الأحزاب ضد المسلمین.
وهذه الخصلة فی هذا الفریق من الیهود نجدها الیوم متجسدةً فی الصهیونیة العالمیة التی تضع کل المواثیق والقرارات والمعاهدات الدولیة تحت قدمیها، متى ما تعرّضت مصالحها للخطر.
الآیة الأخیرة تؤکّد بصراحة أکثر على هذا الموضوع: (ولمّا جاءهم رسولٌ من عند الله مصدقٌ لما معهم نبذ فریقٌ من الّذین اوتوا الکتاب کتاب الله وراء ظهورهم کأنَّهم لا یعلمون).
کان أحبار الیهود یبشّرون النّاس قبل البعثة النبویة بالرّسول الموعود ویذکرون لهم علاماته وصفاته، فلمّا بعث نبىّ الإسلام، أعرضوا عمّا جاء فی کتابهم، وکأنّهم لم یروا ولم یقرأوا ما ذکرته التوراة فی هذا المجال.
هذه هی النتیجة الطبیعیة للأفراد الغارقین فی ذاتیاتهم، هؤلاء ـ حتى فی دعوتهم إلى حقیقة من الحقائق ـ لا یتجرّدون عن ذاتیاتهم، فإن وصلوا إلى تلک الحقیقة ووجدوها لاتنسجم مع أهوائهم، أعرضوا عنها ونبذوها وراء ظهروهم.
