أساس البّر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 1
النّزول سورة البقرة / الآیة 178 ـ 179

ذکرنا فی تفسیر آیات تغییر القبلة، أنّ النصارى کانوا یتجهون فی عباداتهم نحو الشرق والیهود نحو الغرب، وقرر الله الکعبة قبلة للمسلمین، وکانت فی إتّجاه الجنوب وسطاً بین الإتّجاهین.

 

ومرّ بنا الحدیث عن الضّجة التی أثیرت بین اعداء الإسلام والمسلمین الجدد بشأن تغییر القبلة.

الآیة أعلاه تخاطب هؤلاء وتقول: (لیس البرَّ أن تولُّوا وجوهکم قبل المشرقوالمغرب).

«البرّ» فی الأصل التوسّع، ثم اُطلق على أنواع الإحسان، لأنّ الإنسان بالإحسان یخرج من إطار ذاته لیتسع ویصل عطاؤه إلى الآخرین.

و«البّر» بفتح الباء، فاعل البرّ، وهی فی الأصل الصحراء والمکان الفسیح، وأطلقت على المحسن بنفس اللحاظ السابق.

ثمّ یبین القرآن أهم أصول البّر والإحسان وهی ستة، فیقول: (ولکنَّ البرَّ من آمن باللهوالیوم الاْخر والملائکة والکتاب والنَّبیِّین).

هذا هو الأساس الأوّل: الإیمان بالمبدأ، والمعاد، والملائکة المأمورین من قبل الله، والمنهج الإلهی، والنبیّین الدعاة إلى هذا المنهج. والإیمان بهذه الاُمور یُضیء وجود الإنسان، ویخلق فیه الدافع القوی للحرکة على طریق البناء والأعمال الصالحة.

جدیر بالذکر أنّ الآیة تقول: (ولکنَّ البرَّ من...) ولم تقل ولکن البَرَّ بفتح الباء، أو البار بصیغة اسم الفاعل. أی أنّ الآیة استعملت المصدر بدل الوصف، وهذا یفید بیان أعلى درجات التأکید فی اللغة العربیة، فحین یقول أحد: علیٌ(علیه السلام) هو العدل فی عالم الإنسانیة، فهو یقصد أنّه عادل للغایة وأنّ العدالة قد ملأت وجوده بحیث إنّ من یراه فکأنما لایرى سوى العدالة متجسدة، وحین یقول: بنی اُمیة ذلّ الإسلام، فیعنی أنّ کل وجودهم ذلّ للإسلام.

ثم تذکر الآیة الإنفاق بعد الإیمان، وتقول: (وآتى المال على حبِّه ذوی القربى والیتامى والمساکین وابن السَّبیل والسَّائلین وفی الرِّقاب).

إنفاق المال لیس بالعمل الیسیر على الجمیع، خاصّة إذا بلغ الإنفاق درجة الإیثار، لأنّ حبّ المال موجود بدرجات متفاوتة فی کل القلوب. وعبارة (على حبِّه) إشارة إلى هذه الحقیقة. هؤلاء یندفعون للإنفاق رغم هذا الحبّ للمال من أجل رضا الله سبحانه.

الآیة عددت ستة أصناف من المحتاجین إلى المال:

ذکرت بالدرجة الاُولى ذوی القربى، ثم الیتامى والمساکین، ثم اُولئک الذین اعترتهم الحاجة مؤقتاً کابن السبیل وهو المسافر المحتاج، ثم تذکر الآیة بعد ذلک السائلین إشارة إلى أنّ المحتاجین لیسوا جمیعاً أهل سؤال. فقد یکونون متعففین لا تبدو على سیمائهم الحاجة.

لکنهم فی الواقع محتاجون، وعن هؤلاء قال القرآن فی موضع آخر: (یحسبهم الجاهل أغنیاءمن التَّعفّف)(1).

ثم تشیر الآیة إلى الرقیق الذین یتعطشون إلى الحریة والاستقلال بالرغم من عدم احتیاجهم المادی وتأمین نفقتهم على عهدة مالکیهم.

والأصل الثالث من أصول البرّ: إقامة الصلاة: (وأقام الصَّلاة). والصلاة إن أدّاها الفرد بشروطها وحدودها، وباخلاص وخضوع، تصده عن کل ذنب وتدفعه نحو کل سعادة وخیر.

والأصل الرابع: أداء الزکاة والحقوق المالیة الواجبة: (وآتى الزَّکاة).

فالآیة سبق أن ذکرت الإنفاق المستحب، وهنا تذکر الإنفاق الواجب. بعض النّاس یکثر من المستحبات فی الإنفاق ویتساهل فی الواجب، وبعضهم یلتزم بالواجب فقط ولا ینفق درهماً فی إیثار. والمحسنون الحقیقیون هم الذین ینفقون فی المجالین معاً.

یلفت النظر أن الآیة ذکرت عبارة (على حبِّه) بعد الإنفاق المستحب، ولم تذکر ذلک مع الزکاة الواجبة. ولعل ذلک یعود إلى أنّ أداء الحقوق الواجبة وظیفة إلهیّة واجتماعیة، والفقراء ـ فی منطق الإسلام ـ شرکاء فی أموال الأغنیاء، ودفع المال للشریک لا یحتاج إلى العبارة المذکورة.

الخامس من الاُصول: الوفاء بالعهد: (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا)، فالثقة المتبادلة رأس مال الحیاة الاجتماعیة، وترک الوفاء بالعهد من الذنوب التی تزلزل الثقة وتوهن عرى العلاقات الاجتماعیة، من هنا وجب على المسلم أن یلتزم بثلاثة اُمور تجاه المسلم والکافر، وإزاء البرّ والفاجر، وهی: الوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، واحترام الوالدین(2).

الأساس السادس والأخیر من اُسس البرّ فی نظر الإسلام: الصبر (والصَّابرین فی البأساء) حال الفقر والمسکنة (والضَّرَّاء) حال المرض (وحین البأس) حال القتال مع الاعداء(3).

 

ثم تؤکد الآیة على أهمّیة الاُسس الستة وعلى عظمة من یتحلّى بها، فتقول: (اولئک الَّذین صدقوا واولئک هم المتَّقون).

صدقهم یتجلّى فی انطباق أعمالهم وسلوکهم مع إیمانهم ومعتقداتهم، وتتجلى تقواهم فی إلتزامهم بواجبهم تجاه الله وتجاه المحتاجین والمحرومین وکل المجتمع الإنسانی.

والملفت للنظر أنّ الصفات الست المذکورة تشمل الاُصول الإعتقادیة والأخلاقیة والمناهج العملیة. فتضمنت الآیة کل اُسس العقیدة، وکذلک أشارت إلى الإنفاق والصلاة والزکاة بین المناهج العملیة، وهی اُسس ارتباط المخلوق بالخالق، والمخلوق بالمخلوق، وفی الحقل الأخلاقی رکّزت الآیة على الوفاء بالعهد، وعلى الصبر والإستقامة والثبات، وهی أساس کل الصفات الأخلاقیة السامیة.


1.البقرة، 273.
2. أصول الکافی، ج 2، ص 162، (باب البر بالوالدین، ح 15).
3. «البأساء» من «البؤس» وهو الفقر، و«الضراء» تعنی الألم والمرض، و«حین البأس» أی حین الحرب (تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث).

 

النّزول سورة البقرة / الآیة 178 ـ 179
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma