الحدیث فی هاتین الآیتین عن بنی إسرائیل، وإن کانت المفاهیم والمعاییر التی تطرحها الآیتان عامّة وشاملة.
تقول الآیة الاُولى: (ولقد آتینا موسى الکتاب) ثم تذکر بعثة الأنبیاء بعد موسى مثل داود وسلیمان ویوشع وزکریا ویحیى...(وقفَّینا من بعده بالرُّسل)، وتشیر إلى بعثة عیسى (وآتینا عیسى ابن مریم البیِّنات وأیَّدناه بروح القدس)، لکن تعامل بنی إسرائیل کان مع کل هؤلاء الأنبیاء قائماً على أساس نزعات هوى النفس (أفکلَّما جاءکم رسولٌ بما لا تهوى أنفسکم استکبرتم)؟! وکان موقفهم إمّا اغتیال شخصیة النبی أو شخص النبی: (ففریقاً کذَّبتم وفریقاً تقتلون)، لو کان اغتیال الشخصیة کافیاً لتحقیق أهدافهم الدنیئة اکتفوا بذلک، وإن لم یکن کافیاً سفکوا دمه!!
ذکرنا فی تفسیر الآیات السابقة عند حدیثنا عن الإزدواجیة فی الالتزام بالاحکام الإلهیّة أنّ معیار الإیمان والتسلیم هو الالتزام بما لا تهوى النفس، لأنّ کل أصحاب الأهواء مستسلمون لما ینسجم مع میولهم وأهوائهم.
ومن جانب آخر یستفاد من الآیة أنّ القادة الإلهیین لم یکونوا یأبهون بمعارضة أصحاب الأهواء، وهذا هو شأن القائد لمنهج الحق. ولو انساقوا وراء أهواء الآخرین لما کانوا قادة لطلاّب صراط الحق، بل أتباع لطلاب الدنیا.
الآیة التالیة تذکر ما کانوا یقولونه باستهزاء مقابل دعوة الأنبیاء لهم أو دعوة النبی الخاتم(صلى الله علیه وآله): (وقالوا: قلوبنا غلفٌ) والغلف جمع أغلف أی مغلّف.
نعم، إنّها کذلک مغلّفة وبعیدة عن نفوذ النور الإلهی إلیها، لأنّ أصحابها لعنوا بعد التمادی فی الکفر: (بل لعنهم الله بکفرهم فقلیلا ما یؤمنون).
قد تشیر الآیة إلى الیهود الذین کذّبوا الأنبیاء وقتلوهم، وقد تشیر إلى الیهود المعاصرین للنّبی الخاتم(صلى الله علیه وآله) ممّن وقف بوجه الرسالة. لکنها على أی حال تبین حقیقة هامّة هی: إنّ الإنغماس فی الأهواء یبعد الفرد عن الله، ویسدل الحجب على قلبه، فلا تکاد الحقیقة تجد لها طریقاً إلى نفسه.
