بعد الإشارة إلى مکانة إبراهیم(علیه السلام) فی الآیة السابقة، تناولت هذه الآیة موضوع عظمة الکعبة التی وضع قواعدها إبراهیم(علیه السلام)، فهی تبدأ بالتذکیر بعبارة «وَإذْ» أی اُذکروا: (وإذ جعلنا البیت مثابةً للنَّاس وأمناً).
المثابة من الثوب، أی عودة الشیء إلى حالته الاُولى. ولما کانت الکعبة مرکزاً یتّجه إلیه الموحدون کلّ عام، فهی محل لعودة جسمیة وروحیة إلى التوحید والفطرة الاُولى، ومن هنا کانت مثابة. وکلمة «مَثَابَةً» تتضمن معنى الراحة والإستقرار، لأنّ بیت الإنسان ـ وهو محل عودته الدائم ـ مکان للراحة والاستقرار، وهذا المعنى تؤکّده کلمة «أَمْناً» التی تلی کلمة «مَثَابَةً» فی الآیة. وکلمة «لِلنَّاسِ» توضح أنه ملجأ عام لکل العالمین، ولکل الشعوب المحرومة.
وهذه الصفة للبیت هی فی الحقیقة استجابة لأحد مطالیب إبراهیم(علیه السلام) من ربّه ما سیأتی.
ثمّ تضیف الآیة: (واتَّخذوا من مقام إبراهیم مصلّى).
اختلف المفسرون فی معنى «مَقَامِ إبْرَاهِیمَ»، قیل: إنّ کل الحج هو مقام إبراهیم. وقیل: إنّه «عَرفة» و«المشعر الحرام» و«الجمار الثلاث»، وقیل: کل حرم مکّة مقام.
ولکن یبدو من ظاهر الآیة أنّ المقام هو مقام إبراهیم المعروف الکائن قرب الکعبة،
وذهبت إلى ذلک الرّوایات(1) وکثیر من المفسّرین، وعلى الحجاج أن یصلّوا خلفه بعد الطواف، ومن هنا کان هذا المقام «مصلّى».
ثم تشیر الآیة إلى المسؤولیة المعهودة إلى إبراهیم وابنه إسماعیل(علیهما السلام) بشأن تطهیر البیت للطائفین والمجاورین والمصلین: (وعهدنا إلى إبراهیم وإسماعیل أن طهِّرا بیتی للطائفین و العاکفین والرکع السُّجود).
وفی التطهیر قیل: إنّه التطهیر من لوثة وجود الأصنام. وقیل: إنّه التطهیر من الدنس الظاهر، کالدم وأحشاء الذبائح التی کان یلقی بها الجهلة فی البیت.
وقیل: إنه یعنی إخلاص النیة عند بناء البیت.
ولا دلیل على تحدید مفهوم الطهارة، فهی تعنی تطهیر هذا البیت ظاهریاً ومعنویاً من کل تلویث.
لذلک نجد بعض الروایات فسرت التطهیر فی الآیة بأنّه تطهیر الکعبة من المشرکین،(2)وبعضها بأنّه تطهیر البدن وإزالة الأدران.(3)