کتمان الحقائق من المسائل التی عانت منها المجتمعات البشریة على مرّ التاریخ، وکان لها دوماً آثار سیّئة عمیقة استمرت قروناً واعصاراً، ویتحمل تبعة هذه المساویء دون شک أولئک العلماء الذین یعلمون تلک الحقائق ویکتمونها.
لعل القرآن لم یهدد ویذمّ فئة کما هدّد وذم هذه الفئة الکاتمة للحقائق. ولم لا؟ فإن عمل هؤلاء یجرّ أجیالا متعاقبة إلى طریق الضلال والفساد، کما أنّ نشر الحقائق یدفع بالأمم إلى طریق الهدایة والصلاح.
البشریة تمیل للحقائق بفطرتها، وکتمان الحقائق عنها یعنی صدّ البشریة عن طریق تکاملها الفطری المرسوم لها.
لو أنّ علماء الیهود والنصارى أعلنوا ما عندهم من حقائق بشأن النبی الخاتم(صلى الله علیه وآله)، ونشروا ما جاء فی العهدین من بشائر حول رسول الإسلام، لانضوى أهل الکتاب تحت رایة الإسلام، ولأصبحوا مع المسلمین أمة واحدة.
کتمان الحقائق لا ینحصر دون شک فی کتمان علامات النّبوة والبشائر بالنّبی الخاتم(صلى الله علیه وآله)، بل یشمل کتمان کل حقیقة تستطیع أن تدفع النّاس إلى الفهم الصحیح بالمعنى الواسع لهذه الکلمة.
السکوت فی مواضع یجب فیها البیان قد یکون من مصادیق کتمان الحق، وذلک یکون فی موارد یحتاج النّاس فیها بشدّة إلى فهم الحقائق ویستطیع العلماء فیها أن یلبّوا هذه الحاجة.
بعبارة اُخرى: نشر الحقائق التی یعانی منها النّاس لا یتوقف على السّؤال، وما یذهب إلیه صاحب المنار من أنّ کتمان الحقائق یکون فی مواضع السؤال لیس بصحیح، خاصّة وأنّ القرآن لا یتحدث عن کتمان الحقائق فحسب، بل یتحدث فی مواضع اُخرى عن تبیین الحقائق أیضاً، وهذا یرد على اُولئک الذین یلتزمون جانب الصمت أمام الانحرافات بحجّة عدم وجود سائل یطرح علیهم سؤالا بشأن تلک الانحرافات. یقول سبحانه:
(وإذ أخذ الله میثاق الَّذین اوتوا الکتاب لتبیِّننَّه للنَّاس ولا تکتمونه)(1).
جدیر بالذکر أنّ إلهاءَ النّاس بالمسائل الفرعیة، لصرف أنظارهم عن المسائل الأساسیة الحیاتیة نوع من کتمان الحقائق، إذا لم یشمله فرضاً تعبیر «کتمان الحقائق» فهو مشمول حتماً بملاک وفلسفة کتمان الحق.
1. آل عمران، 187.
