تشیر الآیة إلى منطق المشرکین الواهی فی تحریم ما أحلّ الله، أو عبادة الأوثان وتقول: (وإذا قیل لهم اتَّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتَّبع ما ألفینا علیه آباءنا).
ویدین القرآن هذا المنطق الخرافی، القائم على أساس التقلید الأعمى لعادات الآباء والأجداد، فیقول: (أولو کان آباؤهم لا یعقلون شیئاً ولا یهتدون).
أی إنّ إتّباع الآباء صحیح لو أنّهم کانوا على طریق العقل والهدایة، أمّا إذا کانوا لا یعقلون ولا یهتدون، فما إتّباعهم إلاّ ترکیز للجهل والضلال.
الإنسان الجاهلی لا یستند إلى قاعدة ایمانیة یحسّ معها بوجوده وبشخصیّته وبأصالته، لذلک یستند إلى مفاخر الآباء وعاداتهم وتقالیدهم، لیصطنع له شخصیة کاذبة وأصالة موهومة. وهذه عادة الجاهلیین قدیماً وحدیثاً فی تعصبهم القومی وخاصّة فی ما یتعلق بأسلافهم.
الإسلام أدان المنطق الرجعی القائم على تقدیس ما علیه الآباء والأجداد، لأنّه ینفی العقل الإنسانی، ویرفض تطوّر التجارب البشریة، ویصادر الموضوعیة فی معالجة قضایا السلف.
هذا المنطق الجاهلی یسود الیوم ـ ومع الاسف ـ فی بقاع مختلفة من عالمنا، ویظهر هنا وهناک بشکل «صنم» یوحی بعادات وتقالید خرافیة مطروحة باسم «آثار الآباء»
ومؤامرة باسم الحفاظ على المآثر القومیّة والوطنیة، مشکّلا بذلک أهم عامل لإنتقال الخرافات من جیل إلى جیل آخر.
لا مانع طبعاً من تحلیل عادات الآباء وتقالیدهم، فما انسجم منها مع العقل والمنطق حُفِظَ، وما کان وهماً وخرافة لُفِظ. المقدار المنسجم مع العقل والمنطق من العادات والتقالید یستحق الحفظ والصیانة باعتباره تراثاً قومیاً، أمّا الاستسلام التام الأعمى لتلک العادات والتقالید فلیس إلاّ الرجعیّة والحماقة.
جدیر بالذکر أن الآیة أعلاه تتحدث عن آباء هؤلاء المشرکین وتقول عنهم إنّهم لا یعلمون، ولا یهتدون، وهذا یعنی إمکان الإقتداء باثنین، بمن کان یملک الفکر والعقل والعلم، ومن کان قد اهتدى بالعلماء.
أما أسلاف هؤلاء فلم یکونوا یعلمون، ولم یکونوا قد اهتدوا بمن یعلم وهذا اللون من التقلید الأعمى هو السبب فی تخلف البشریة لانّه تقلید الجاهل للجاهل.
الآیة التالیة تبین سبب تعصّب هؤلاء وإعراضهم عن الإنصیاع لقول الحق تقول: (ومثل الَّذین کفروا کمثل الّذی ینعق بما لایسمع إلاَّ دعاءً ونداءً). تقول الآیة: إن مثلک فی دعوة هؤلاء المشرکین إلى الإیمان ونبذ الخرافات والتقلید الاعمى کَمن یصیح بقطیع الغنم (لإنقاذهم من الخطر) ولکنّ الأغنام لاتدرک منه سوى أصوات غیر مفهومة.
أجل فهؤلاء الکفّار والمشرکین کالحیوانات والأنعام التی لا تسمع من راعیها الذی یرید لها الخیر سوى أصوات مبهمة.
ثم تضیف الآیة لمزید من التأکید والتوضیح أنّ هؤلاء (صمٌّ بکمٌ عمیٌ فهم لا یعقلون)(1).
ولذلک یتمسکون بالتقالید الخاطئة لآبائهم، ویعرضون عن کل دعوة بنّاءة.
وقیل فی تفسیر الآیة أیضاً إن معناها: مثل الذین یدعون أصنامهم وآلهتهم الکاذبة کالذی یدعو البهائم، لا الحیوانات تفهم النداء ولا تلک الأصنام، لأنّ هذه الأصنام صمّاء بکماء عمیاء لا تعقل.
أکثر المفسرین على التّفسیر الأوّل للآیة، والروایات الإسلامیة تؤیده ونحن على ذلک أیضاً.(2)