جاء فی بعض الروایات الشریفة أن قبائل قریش کانت ترى لنفسها مکانة دینیة خاصّة بین العرب، وکان أفرادها یسمّون أنفسهم «الحُمس»(1) ویرون أنّهم أبناء إبراهیم(علیه السلام) وسدنة الکعبة، ولذلک کانوا یترفّعون على بقیة القبائل العربیة، ومن هنا فإنّهم ترکوا الوقوف فی عرفات لأنّها خارج الحرم المکّی، وما کانوا یودّون أن یحترموا أرضاً تقع خارج حرم مکّة، ظنّاً منهم أنّ ذلک یقلّل من شأنهم بین قبائل العرب، مع علمهم بأنّ الوقوف فی عرفات من مناسک الحجّ الإبراهیمی(2).
الآیة الکریمة تبطل کلّ هذه الأوهام وتأمر بوقوف الحجّاج جمیعاً فی عرفات، ثمّ التحرک منها نحو المشعر الحرام، ومن ثمّ الإتجاه إلى مِنى دون أن یکون لأحد امتیاز على آخر (ثمّ أفیضوا من حیث أفاض النّاس).
الإفاضة التی تأمر بها الآیة هی الإفاضة من المشعر الحرام إلى مِنى، لأنّها جاءت بعد ذکر الإفاضة من عرفات إلى المشعر،ومسبوقة بـ «ثمّ» التی تفید الترتّب الزمانی، ویکون مدلول الآیتین معاً الأمر بالوقوف الجماعی بعرفات، ثمّ الإفاضة منها إلى المشعر الحرام، ومن ثمّ إلى مِنى.
(واستغفروا الله).
والأمر بالاستغفار فی ختام الآیة حثّ على ترک تلک الأوهام والأفکار الجاهلیة، والإتجاه نحو تعلّم دروس الحجّ فی المساواة، و(إنّ الله غفور رحیم).