النفاق فی مفهومه الخاص ـ کما ذکرنا ـ صفة اُولئک الذین یظهرون الإسلام، ویبطنون الکفر، لکن النفاق له معنىً عام واسع یشمل کل ازدواجیة بین الظاهر والباطن، وکل افتراق بین القول والعمل، من هنا قد یوجد فی قلب المؤمن بعض ما نسمیه «خیوط النفاق».
ففی الحدیث النّبوی: «ثَلاَثٌ مَنْ کُنَّ فِیهِ کَانَ مُنَافِقاً وَإنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إذَا
ائْتُمُنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ کَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» (1) .
الحدیث لایدور هنا طبعاً عن المنافق بالمعنى الخاص، بل عن الذی فی قلبه خیوط من النفاق، تظهر على سلوکه بأشکال مختلفة، وخاصّة بشکل ریاء، کما جاء فی الحدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام): «أَلرِّیَاءُ شَجَرَةٌ لاَ تُثْمِرُ إلاَّ الشِّرْکَ الْخَفِیَّ، وَأَصْلُهَا النِّفَاقُ» (2) .
وفی نهج البلاغة نصّ رائع فی وصف المنافقین عن أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) یقول فیه:(3)«اُوصِیکُمْ عِبَادَ الله بِتَقْوَى الله، وَاُحَذِّرُکُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ، فَإنَّهُمُ الضَّالُّونَ المُضِلُّونَ، وَالزّالُّونَ الْمُزِلُّونَ(4)، یَتَلَوَّنُونَ أَلْوَانَاً، وَیَفْتَنُّونَ إفْتِنَاناً(5)، وَیَعْمِدُونَکُمْ بِکُلِّ عِمَاد، وَیَرْصُدُونَکُمْ بِکُلِّ مِرْصَاد، قُلُوبُهُمْ دَوِیَّة ٌ(6) وَصِفَاحُهُمْ نَقِیَّةٌ. یَمْشُونَ اَلْخَفَاءَ(7)، وَیَدِبُّونَ الضَّرَاءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ، وَقَوْلُهُمْ شِفَاءُ، وَفِعْلُهُمْ الدّاءُ الْعَیَاءُ(8)، حَسَدَةُ الرَّخَاءِ(9)، وَمُؤَکِّدُو الْبَلاَءِ، وَمُقْنِطُو الرَّجَاءِ، لَهُمْ بِکُلِّ طَرِیق صَرِیعٌ(10)وَإلى کُلِّ قَلْب شَفِیعٌ، وَإلَى کلِّ شَجْو دُمُوع (11) یَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ(12) وَیَتَراقَبُونَ الْجَزَاءً: إنْ سَأَلُوا اَلْحَفُوا (13)، وَإنْ عَذَلُوا کَشَفُوا...».(14)