عبّر القرآن عن الفئة المهتدیة من أهل الکتاب بأنّهم (یتلونه حقَّ تلاوته)، وهو تعبیر عمیق یرسم لنا سبیلا واضحاً تجاه القرآن الکریم والکتب السماویة، فالنّاس أمام الآیات الإلهیّة على أقسام:
قسم یکرّسون اهتمامهم على أداء الألفاظ بشکل صحیح وعلى قواعد التجوید، ویشغل ذهنهم دوماً الوقف والوصل والإدغام والغنّة فی التلاوة، ولا یهتّمون إطلاقاً بمحتوى القرآن فما بالک بالعمل به! وهؤلاء بالتعبیر القرآنی (کمثل الحمار یحمل أسفاراً)(1).
وقسم یتجاوز إطار الألفاظ، ویتعمق فی المعانی، ویدقّق فی الموضوعات القرآنیة، ولکن لا یعمل بما یفهم!
وقسم ثالث، وهو المؤمنون حقّاً، یقرأون القرآن باعتباره کتاب عمل، ومنهجاً کاملا للحیاة، ویعتبرون قراءة الألفاظ والتفکیر فی المعانی وإدراک مفاهیم الآیات الکریمة مقدمة للعمل، ولذلک تصحو فی نفوسهم روح جدیدة کلما قرأوا القرآن، وتتصاعد فی داخلهم عزیمة وإرادة واستعداد جدید للأعمال الصالحة، وهذه هی التلاوة الحقّة.
ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(علیه السلام) فی تفسیر هذه الآیة: «یُرَتِّلُونَ آیَاتِهِ، وَیَتَفَقَّهُونَ بِهِ، وَیَعْمَلُونَ بِأَحْکَامِهِ، وَیَرْجُونَ وَعْدَهُ، وَیَخَافُونَ وَعِیدَهُ، وَیَعْتَبِرُونَ بِقِصَصِهِ، ویَأْتَمِرُونَ بِأَوَامِرِهِ، وَیَنْتَهُونَ بِنَوَاهِیهِ، مَا هُوَ وَاللهِ حفظُ آیَاتِهِ وَدَرسُ حُرُوفِه، وَتِلاَوَةُ سُوَرِهِ وَدَرسُ أَعْشَارِهِ وَأَخْمَاسِهِ(2)، حَفِظُوا حُرُوفَهُ وَأَضَاعُوا حُدُودَهُ، وإنَّمَا هُوَ تَدَبُّرُ آیَاتِهِ وَالْعَمَلُ بِأَرْکَانِهِ، قَالَ الله تَعالى: (کتابٌ أنزلناه إلیک مبارکٌ لیدَّبَّروا آیاته)».(3)