مثالان رائعان لوصف حالة المنافقین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 1
سورة البقرة / الآیة 17 - 20 سورة البقرة / الآیة 21 - 22

بعد أن بیّن القرآن صفات المنافقین وخصائصهم، یقدّم مثالین متحرکین لتجسیم وضعهم:

(مثلهم ) المنافقین (کمثل الَّذی استوقد ناراً ) فی لیلة مظلمة، کی یهتدی بها فی الطریق ویبلغ مقصده. (فلمّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وترکهم فی ظلمات لایبصرون ).

لقد ظنّ هؤلاء أنّهم قادرون على أن یحقّقوا أهدافهم بما لدیهم من إمکانات إنارة محدودة.

ولکن نارهم سرعان ما انطفأت بسبب عوامل جوّیّة، أو بسبب نفاد الوقود، وظلّوا حائرین لا یهتدون سبیلا.

ثم تضیف الآیة الکریمة أنّ هؤلاء فقدوا کل وسیلة لدرک الحقائق: (صمٌ بکمٌ عمیٌ فهم لایرجعون ).

والمثال المذکور یصوّر بدقّة عمل المنافقین على ساحة الحیاة الإنسانیة، فهذه الحیاة مملوءة بطرق الانحراف والضلال، ولیس فیها سوى طریق مستقیم واحد للهدایة، وهذا الطریق ملیء بالمزالق والأعاصیر. ولا یستطیع الفرد أن یهتدی من بین الطرق الملتویة إلى الصراط المستقیم، کما لا یستطیع أن یتجنب المزالق ویقاوم أمام الأعاصیر، إلاّ بنور العقل والإیمان، وبمصباح الوحی الوهّاج.

وهل تستطیع الشعلة المحدودة المؤقتة التی یضیئها الإنسان، أن تهدی الکائن البشری فی هذا الطریق الشائک الطویل؟!

هؤلاء الذین سلکوا طریق النفاق، ظنوا أنّهم قادرون بذلک أن یحافظوا على مکانتهم ومصالحهم لدى المؤمنین والکافرین، وأن ینضمّوا إلى الفئة الغالبة بعد نهایة المعرکة، کانوا یخالون أن عملهم هذا ذکاء وحنکة، وأرادوا أن یستفیدوا من هذا الذکاء وهذه الحنکة، کضوء یشقّ لهم طریق الحیاة ویوصلهم إلى مآربهم، لکن الله سبحانه ذهب بنورهم وفضحهم، إذ قال لرسوله: (إذا جاءک المنافقون قالوا نشهد إنَّک لرسول الله والله یعلم إنَّک لرسوله والله یشهد إنَّ المنافقین لکاذبون ) (1) .

والقرآن الکریم یفضح المنافقین لدى الکافرین أیضاً، ویبیّن کذبهم ونکولهم إذ یقول: (الم تر إلى الَّذین نافقوا یقولون لإخوانهم الَّذین کفروا من أهل الکتاب لئن اخرجتم لنخرجنَّ معکم ولا نطیع فیکم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنکم والله یشهد إنَّهم لکاذبون * لئن اخرجوا لا یخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ینصرونهم ولئن نصروهم لیولُّنَّ الاْدْبار ثمَّ لا ینْصرون ) (2) .

جدیر بالذکر أنّ القرآن استعمل عبارة (إستوقد ناراً ) أی إنّهم استفادوا للإنارة من «النار» ذات الدخان والرّماد والحریق، بینما یستنیر المؤمنون بنور الإیمان الخالص وبضوئه الساطع.

باطن المنافقین ینطوی على النار، وإن تظاهروا بنور الإیمان، وإذا کان ثمّة نور فهو ضعیف فی قوته وقصیر فی مدته.

هذا النور الضعیف المؤقّت، إمّا أن یکون إشارة إلى الضمیر والفطرة التوحیدیة، أو إشارة إلى الإیمان الأوّلی لهؤلاء المنافقین حیث اُسدلت علیه ستائر مظلمة على أثر التقلید الأعمى والتعصب المقیت واللجاج والعداء، فتحولت ساحة حیاتهم لا إلى ظلمة، بل إلى «ظُلمات» فی التعبیر القرآنی.

وهؤلاء سیفقدون فی النهایة قدرة الرؤیة الصحیحة، والإستماع الصحیح، والنطق الصحیح، وهذه نتیجة طبیعیة ـ کما ذکرنا سابقاً ـ للاستمرار على الانحراف والإصرار على الغیّ، حیث یؤدّی إلى إضعاف آلیات الإدراک لدى الإنسان فیرى الحقائق مقلوبة، فالخیر فی نظره شرّ، والملک شیطان، وهکذا.

على أی حال هذا التشبیه یوضّح واحدة من حقائق النفاق، وهی أنّ عمر النفاق والتذبذب لا یدوم طویلا، قد یستطیع المنافقون لمدّة قصیرة أن یتمتعوا بمصونیة الإسلام والإیمان، وبصداقة الکفار سرّاً، لکن هذه الحالة مثل شعلة ضعیفة معرضة لألوان العواصف، سرعان ما تنطفى، ویظهر الوجه الحقیقی للمنافقین، ویظلون منفورین مطرودین حائرین، مثل إنسان یتخبّط فی ظلام دامس.

لابدّ من الإشارة إلى ما ورد فی تفسیر الآیة الکریمة: (هو الَّذی جعل الشَّمس ضیاءً والقمرنوراً ) (3) .

عن الإمام محمّد بن علی الباقر (علیه السلام) قال: «أَضَاءَتِ الأَرْضُ بِنُورِ محمّد (صلى الله علیه وآله) کَمَا تُضِیءُ الشَّمْسُ، فَضَرَبَ اللهُ مَثَلَ محمّد (صلى الله علیه وآله) الشَّمْسَ وَمَثَلَ الْوَصِیِّ الْقَمَرَ» (4) .

وهذا یعنی أنّ نور الإیمان والوحی یغمر العالم کلّه ولا یمتلک منه المنافقون شیئاً، وحتّى لو کان فی النفاق نور، فإنّ مدیاته قصیرة ودائرته صغیرة لایضیء إلاّ ما حوله.

فی المثال الثانی صوّر القرآن حیاة المنافقین بشکل لیلة ظلماء مخوفة خطرة، یهطل فیها مطر غزیر، وینطلق من کل ناحیة منها نور یکاد یخطف الأبصار، ویملأ الجوّ صوت مهیب مرعب یکاد یمزّق الآذان، وفی هذا المناخ القلق ضلّ مسافرٌ طریقه، وبقی فی بلقع فسیح لا ملجأ فیه ولا ملاذ، لا یستطیع أن یحتمی من المطر الغزیر، ولا من الرعد والبرق، ولا یهتدی إلى طریق لشدّة الظلام. هذه الصورة یرسمها القرآن على النحو التالی: (أو کصیِّب من السَّماء فیه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ یجعلون أصابعهم فی آذانهم من الصَّواعق حذر الموت والله محیطٌ بالکافرین * یکاد البرق یخطف أبصارهم کلَّما أضآء لهم مشوا فیه وإذا أظلم علیهم قاموا ).

هؤلاء یحسّون کلّ لحظة بخطر، لأنّهم یطؤون صحراء لا جبال فیها ولا أشجار تحمیهم من خطر الرعد والبرق والصواعق، ونحن نعلم أن خطر الصاعقة یتجه إلى کل ارتفاع على الأرض، لکن الأرض التی یسیر علیها هؤلاء خالیة من أی ارتفاع سوى مرتفع أجسامهم، ومن هنا فخطر الصاعقة یهددهم کل آن بتحویلهم إلى رماد!

(أهمیة هذا المثال تتضح لدى أهل الحجاز ـ حیث الصحارى المنبسطة ـ أکثر من وضوحها لدى أهالی المناطق الجبلیة).

نعم، هؤلاء حیارى مضطربون، لا یجدون طریقاً یسلکونه، ولا دلیلا یهتدون به، خطر صوت الرعد یهدّد أسماعهم، ونور البرق یکاد یذهب بأبصارهم (ولوشاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إنَّ الله على کلِّ شیء قدیرٌ ).

المنافقون مثل هؤلاء المسافرین، یعیشون بین المؤمنین المتزایدین المتدفقین کالسیل الهادر وکالمطر الغزیر، لکنهم لم یتخذوا لهم ملجأً آمناً یقیهم من شر صاعقة العقاب الإلهی.

نهوض المسلمین بواجبهم الجهادی المسلح بوجه أعداء الإسلام یشکل صواعق وحمماً تنزل على رؤوس المنافقین، وتسنح أحیاناً لهؤلاء المنافقین فرصة للهدایة والیقظة، لکن هذه الفرصة لا تلبث طویلا، إذ تمرّ کما یمرّ نور البرق، ویعود الظلام یطبق علیهم، ویعودون إلى ضلالهم وحیرتهم.

إنتشار الإسلام بسرعة کالبرق الخاطف قد أذهلهم. وآیات القرآن التی تفضح أسرارهم صعقتهم، وفی کل لحظة یحتملون أن تنزل آیة تکشف عن مکائدهم ونوایاهم، وهذا ما تعبّر عنه الآیة الکریمة: (یحذر المنافقون أن تنزَّل علیهم سورةٌ تنبئهم بما فی قلوبهم قل استهزءوا إنَّ اللّه مخرجٌ ما تحذرون ) (5) .

والمنافقون خائفون أیضاً أن یأذن الله بمحاربتهم، وأن یحثّ القوّة الإسلامیة المتصاعدة على مجابهتهم، لأنّهم کانوا یواجهون مثل هذه التهدیدات القرآنیة، کقوله تعالى: (لئن لم ینته المنافقون والَّذین فی قلوبهم مرضٌ والمرجفون فی المدینة لنغرینَّک بهم ثمّ لا یجاورونک فیها إلاّ قلیلا * ملعونین أینَما ثقفوا اخذوا وَقتّلوا تَقتیلا ) (6) .

مثل هذه الآیات کانت تنزل کالرعد والبرق على المنافقین، وتترکهم فی خوف وذعر وحیرة فی المدینة، وتضعهم أمام خطر الإبادة أو الإخراج من المدینة کلّ حین.

هذه الآیات ـ وإن کانت تتحدث عن المنافقین فی عصر نزول الوحی ـ تمتد لتشمل کلّ المنافقین فی التاریخ، لإن خطّ النفاق یقف دوماً بوجه الخط الثوری الصادق الصحیح، ونحن نرى بأعیننا الیوم مدى انطباق ما یقوله القرآن على منافقی عصرنا بدقّة. نرى حیرتهم وخوفهم واضطرابهم، ونرى تعاستهم وبؤسهم وانفضاحهم تماماً مثل تلک المجموعة المسافرة الهائمة فی صحراء مقفرة وفی لیلة ظلماء موحشة.

أما بشأن الفرق بین المثالین فثمة تفسیران:

الأوّل: إنّ قوله تعالى: (مثلهم کمثل الَّذی... ) یصور حالة المنافقین الذین انخرطوا فی صفوف المؤمنین عن اعتقاد حقیقی، ثم تزعزعوا واتّجهوا نحو النفاق. أما قوله: (کصیّب من السَّماء... ) فیمثل حالة المنافقین الذین کانوا منذ البدایة فی صف النفاق، ولم یؤمنوا بالله قط.

الثّانی: إنّ المثال الأول یتحدث عن حالة الأفراد، ولذلک یقول: (مثلهم کمثل ) والثانی یجسّد وضع الأجواء المخیفة المرعبة الخطرة التی تحدق بهؤلاء المنافقین، ومن هنا جاء التشبیه بالجوّ المظلم الممطر الملیء بالخوف والذعر والاضطراب.


1. المنافقون، 1.
2. الحشر، 11 و12.
3. یونس، 5.
4. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 36.
5.التوبة، 64.
6. الأحزاب، 60 و61.

 

سورة البقرة / الآیة 17 - 20 سورة البقرة / الآیة 21 - 22
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma