الامتحان الإلهی لا یجری عن طریق الحوادث الصعبة القاسیة فحسب، بل قد یمتحن الله عبده بالخیر وبوفور النعمة، کما یقول سبحانه: (ونبلوکم بالشَّرِّ والخیر فتنةً)(1).
ویقول سبحانه على لسان نبیّه سلیمان: (هذا من فضل ربِّی لیبلونی ءأشکر أم أکفر)(2).
وهنا ینبغی أن نشیر إلى عدة مسائل:
أحدها: أنه لیس من الضروری أن یُخْتَبر جمیع النّاس بجمیع وسائل الاختبار، بل من الممکن أن یکون اختبار کل فئة بلون من الامتحان یتناسب مع الوضع الفردی والإجتماعی لتلک الفئة.
والاُخرى: أنّه من الممکن أن یجتاز الإنسان بعض الامتحانات، بینما یفشل فی امتحانات اُخرى.
وقد یکون امتحان فرد من الأفراد موضع امتحان فرد آخر، کأن یکون موت ولد لإنسان موضع امتحان أصدقائه وأقاربه، لیُرى مدى اتخاذهم موقف المواساة من صاحبهم.
وأخیراً، فالاختبار الإلهی ـ کما ذکرنا ـ شامل عام یدخل فی نطاقه حتى الأنبیاء(علیهم السلام)، بل إنّ اختبارهم بسبب ثقل مسؤولیتهم أشدّ بکثیر من اختبار الآخرین.
القرآن الکریم یعرض صوراً لاختبارات شدیدة مرّ بها الأنبیاء(علیهم السلام) وبعضهم مرّ بمراحل طویلة شاقّة قبل وصوله إلى مقام الرسالة، کی یکون على أتمّ الاستعداد لتحمل أعباء قیادة اُمّته.
وبین أتباع مدرسة الأنبیاء نماذج رائعة للصابرین المحتسبین، کل واحد منهم قدوة على ساحة الامتحان الإلهی.
فقد روی «أَنَّ اُمَّ عَقِیل کَانَتْ امْرَأةً فِی الْبَادِیَةِ فَنَزَلَ عَلَیْهَا ضَیْفَانِ وَکَانَ وَلَدُهَا عَقِیلٌ مَعَ الاْبِل فَاُخْبِرَتْ بِأَنَّهُ ازْدَحَمَتْ عَلَیْهِ الاْبِلُ فَرَمَتْ بِهِ فِی الْبِئْرِ فَهَلَکَ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلنّاعی انْزِلْ وَاقْضِ ذِمَامَ الْقَوْمِ وَدَفَعَتْ إلَیْهِ کَبْشاً فَذَبَحَهُ وَأَصْلَحَهُ وَقَرَّبَ إلَى الْقَوْمِ الطَّعَامَ فَجَعَلُوا یَأْکُلُونَ وَیَتَعَجَّبُونَ مِنْ صَبْرِهَا (قَال الرّاوی) فَلَمّا فَرِغْنَا خَرَجَتْ إلَیْنَا وَقَالَتْ یَا قَوْمِ هَلْ فِیکُمْ مَنْ یَحْسُنَ مِنْ کِتَابِ اللهِ شَیْئَاً؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَاقْرَأ عَلَیَّ آیات أَتَعَزَّى بِهَا عَنْ وَلَدِی فَقَرَأْتُ: «وَبَشِّرِ الصّابِرینَ الَّذِینَ إذا أَصَابَتْهُمْ مُصِیبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّا إلَیّهِ رَاجِعُونَ إلى قَوْلِهِ الْمُهْتَدُونَ».
«فَقَالَتْ الْسَّلاَمُ عَلَیْکُمْ، ثُمَّ صَفَّتْ قَدَمَیْهَا وَصَلَّتْ رَکَعَات ثُمَّ قَالَتْ: اللّهُمَّ إنّی فَعَلْتُ مَا أَمَرْتَنی فَانْجزْ لی مَا وَعَدْتِنِی. وَلَوْ بَقِیَ أَحَدُ لاَِحَد ـ قَالَ فَقُلْتُ فِی نَفْسِی لَبَقِیَ ابْنِی لِحَاجَتِی إلَیْهِ ـ فَقَالَتْ لَبَقِیَ محمّد(صلى الله علیه وآله) لاُمَّتِهِ، فَخَرَجْتُ».(3)