کان تکلیف بنی إسرائیل ـ کما ذکرنا ـ مطلقاً غیر مقیّد بمواصفات معیّنة، لکن لجاج هؤلاء ضیّق علیهم الدائرة وغیّر علیهم حکم التکلیف(1) .
إلى جانب هذه الحقیقة، ثمّة حقیقة اجتماعیة قد یمکن استنتاجها من الأوصاف التی ذکرت للبقرة.
یبدو أن القرآن یرید أن یبین أنّ البقرة التی کتب لها أن تحیی فرداً میّتاً ینبغی أن لا تکون «ذلولا» أی تأبى التسلیم والخضوع الأعمى، کما أنّها ذات لون واحد خالص لا تشوبه ألوان اُخرى.
وهذا یعنی أنّ القائد الذی یستهدف إحیاء المجتمع ینبغی أوّلا أن یکون متحرراً من تأثیرات الضغوط الاجتماعیة التی یمارسها أصحاب الثروة والجاه والقوّة، وأن یستسلم لله وحده دون أن تأخذه فی ذلک لومة لائم، کما أن القائد یجب أن یکون مبرّءاً من أی لون غیر اللون التوحیدی، ومثل هؤلاء الأفراد فقط یستطیعون أن یعالجوا اُمور النّاس باتزان واعتدال ویبعثوا فی قلوب وأفکار اُمّتهم الخصب والحیاة.
أما المنشدّ بنیر الدنیا والخاضع لها والمشوب بالألوان والأهواء فلا یستطیع أن یحیی القلوب المیتة، ولا یقدر أن ینهض بدور الإحیاء.