تعددت أقوال المفسرین فی معنى هاتین الکلمتین، ولا حاجة إلى استعراضها جمیعاً، بل نکتفی بذکر معناهما اللغوی، ثم نذکر تفسیراً واحداً لهما هو فی اعتقادنا أوضح التفاسیر وأقربها إلى الفهم القرآنی.
«المنّ» شیء کالطلّ فیه حلاوة یسقط من الشجر (1) أو بعبارة اُخرى هو عصارة شجر ذات طعم حلو، وقیل طعم حلو ممزوج بالحموضة.
و«السّلوى» یعنی التسلّی، وقال بعض اللغویین وجمع من المفسرین إنّه «طائر».
وروی عن النبی (صلى الله علیه وآله): «إن الکماة من المنّ». (2)
وذهب البعض إلى أنّ «المنّ» هو جمیع ما أنعم الله تعالى على بنی إسرائیل ومنّ علیهم. و«السّلوى» هی جمیع المواهب والملکات النفسانیة التی توجب لهم التسلیة والهدوء النفسی.
وهو مع مخالفته لرأی معظم المفسرین، یخالف ظاهر الآیة حیث تقول: (کلوا من طیِّبات ما رزقناکم ) وفی هذا التعبیر دلالة واضحة على أنّ المنّ والسلوى نوعان من الطعام، وهذه العبارة وردت کذلک فی الآیة 160 من سورة الأعراف.
وتذکر التوراة أنّ «المنَّ» حبٌّ یشبه بذر الکزبرة یتساقط على الأرض لیلا، وکان بنو إسرائیل یجمعونه ویصنعون منه خبزاً ذا طعم خاص.
وثمّة احتمال آخر هو أنّ الأمطار الغزیرة النافعة التی هطلت بفضل الله على تلک الصحراء أثرت على أشجار تلک المنطقة فأفرزت عصارة حلوة استفاد منها بنو إسرائیل.
واحتمل بعضهم أن یکون «المنّ» نوعاً من العسل الطبیعی حصل علیه بنو إسرائیل فی الجبال والمرتفعات المحیطة بصحراء التیه. وهذا التّفسیر یؤید ما ورد من شروح على العهدین (التوراة والإنجیل) حیث جاء: «الأراضی المقدسة معروفة بکثرة أنواع الأوراد والأزهار، ومن هنا فإن مجامیع النحل تبنی خلایاها فی أخادید الصخور وعلى أغصان الأشجار وثنایا بیوت النّاس، بحیث یستطیع أفقر النّاس أن یتناول العسل» (3) .
بشأن «السلوى» قال بعض المفسرین إنه العسل، وأجمع الباقون على أنّه نوع من الطیر، کان یأتی على شکل أسراب کبیرة إلى تلک الأرض، وکان بنو إسرائیل یتغذون من لحومها.
فی النصوص المسیحیة تأیید لهذا الرأی حیث ورد فی تفسیر على العهدین ما یلی: «إعلم أنّ السلوى تتحرک بمجموعات کبیرة من أفریقیا، فتتجه إلى الشمال، وفی جزیرة کابری وحدها یصطاد من هذا الطائر 16 ألفاً فی الفصل الواحد... هذا الطائر یجتاز طریق بحر القلزم، وخلیج العقبة والسویس، ویدخل شبه جزیرة سیناء. وبعد دخوله لا یستطیع أن یطیر فی إرتفاعات شاهقة لشدّة ما لاقاه من تعب وعناء فی الطریق، فیطیر على إرتفاع منخفض ولذلک یمکن اصطیاده بسهولة... وورد ذکر ذلک فی سفر الخروج وسفر الأعداء من التوراة» (4) .
یستفاد من هذا النص أن المقصود بالسلوى طیر خاص سمین یشبه الحمام معروف فی تلک الأرض.
شاء الله بفضله ومنّه أن یکثر هذا الطیر فی صحراء سیناء آنئذ لسدّ حاجة بنی إسرائیل من اللحوم، ولم تکن هذه الکثرة من الطیر طبیعیة فی تلک المنطقة.
1. المفردات، للراغب الاصفهانی، مادة «منّ».
2. أصول الکافی، ج 6، ص 307، ح 2; ووسائل الشیعة، ج 25، ص 201، ح 31673.
3. قاموس الکتاب المقدس، ص 612.
4. قاموس الکتاب المقدس، ص 483.
