القرآن فی هاتین الآیتین یشیر إلى ادّعاء آخر من الادّعاءات الفارغة لمجموعة من الیهود والنصارى، (وقالوا لن یدخل الجنَّة إلاَّ من کان هوداً أو نصارى)(1) ، ثم یجیبهم جواباً رادعاً قائلا (تلک أمانیُّهم) ثم تخاطب الآیة رسول الله وتقول: (قل هاتوا برهانکم إن کنتم صادقین).
بعد التأکید على أنّ إدعاء هؤلاء فارغ لا قیمة له، وأنّه مجرّد اُمنیة تخامر أذهانهم، یطرح القرآن المعیار الأساس لدخول الجنّة على شکل قانون عام (بلى من أسلم وجهه لله و هو محسنٌ فله أجره عند ربِّه). ومن هنا فالمشمولون بهذا القانون هم فی ظلال رحمة الله (ولاخوفٌ علیهم ولا هم یحزنون).
بعبارة موجزة: الجنّة ومرضاة الله والسعادة الخالدة لیست حکراً على طائفة معینة، بل هی نصیب کل من یتوفر فیه شرطان:
الأوّل: التسلیم التام لله تعالى، أو الإنصیاع لأوامره سبحانه، وعدم التفریق بین هذه الأوامر، أی عدم ترک ذلک القسم من الأوامر الذی لا ینسجم مع المصالح الفردیة الذاتیة.
الثّانی: وهو ما یترتب على التسلیم فی المرحلة الاُولى، من القیام بالأعمال الصالحة والإحسان فی جمیع المجالات.
والقرآن، بطرحه هذه الحقیقة، یرفض بشکل تام مسألة التعصب العنصری ویکسر طوق احتکار فئة معینة للسعادة، ویضع ضمنیاً معیار الفوز متمثلا بالإیمان، والعمل الصالح.